عزت مصطفى
لم يكن 11 فبراير 2011م يوماً معبراً عن انطلاق الثورة الشعبية في اليمن وحسب، إنما كان يوماً أيضاً للتعبير عن تواطؤ النخب السياسية، يوم واحد في مخيلة اليمنيين، بقيت الثورة الشعبية حاضرة في الأذهان فيما التواطؤ متوارِ أمام آلة إعلامية ضخمة تلمعه وتتفنن في تبريقه.
حالتان من الحركة الدؤوبة في هذا اليوم الذي أصبح حتمياً في حياة علي عبدالله صالح كديكتاتور بجح يواجه السقوط، الأولى ألسنة قادة أحزاب اللقاء المشترك في المؤتمر الصحفي الذي عقد صباح ذات اليوم -11 شباط-، ألسنة تبرر التواطؤ بخفة، معلنة قبولها دعوة الديكتاتور للحوار معها، الدعوة التي كان قد أطلقها مطلع ذات الشهر في وقت كانت المظاهرات المؤيدة للثورتين التونسية والمصرية تقابل بانتهاكات صارخة ومؤلمة من قبل بلاطجته المدججين، في 11 شباط، بدأت معاً حركتان سجلهما التاريخ، ألسنة السياسيين أمام كاميرات التلفزة، والأخرى حركة الشباب الثائر الذي أطاح بالديكتاتور وتسامح مع الألسنة التي قبلت دعوته للحوار ولحست بفهلوة ثورة من أعظم الثورات في التاريخ.
في صباح 11 شباط، تقريباً في نفس التوقيت، اختار قادة أحزاب (المعارضة) الجلوس على منصة يبتسمون للكاميرات المنصوبة أمامهم من عليها، الألسنة تتحدث في المؤتمر الصحفي أمام العالم، وفي ذات التوقيت اختار شباب في مقتبل العمر الخروج للشارع مقررين اسقاط الديكتاتور؛ تلفحهم ألسنة الشمس الحارقة، وألسنة سياسيون قرروا التواطؤ مع الديكتاتور، وعن هذا وذاك، أتذكر في ذاك المؤتمر الصحفي أن سؤالاً وجه للأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني د.ياسين سعيد نعمان، ماذا لو استطاع الشباب تجاوز الأحزاب؟، ويرد كمن يستهزئ: إن كان للشباب قدرة على التجاوز فليتجاوزا.
هكذا، وبذات البساطة، قرر سلطان العتواني الرواغ من سؤال لمذيعة قناة تلفزيونية استضافته للحديث عن قبولهم دعوة علي صالح للحوار، سألت المذيعة العتواني على الهواء مباشرة عقب انتهاء المؤتمر الصحفي: هل طلبتم وقف الانتهاكات ضد الاحتجاجات الشعبية كشرط لقبول الحوار؟، إلا أنّ العتواني يذهب بعيداً في الحديث عن أهمية الحوار كقيمة أخلاقية، وتعيد المذيعة سؤاله: عفواً سيد سلطان، هل طلبتم وقف الانتهاكات ضد الاحتجاجات الشعبية كشرط لقبول الحوار؟، العتواني مرة أخرى في محاولة تملص بليدة يتحدث عن الحوار كحل وحيد لإخراج البلد من مأزقه، وتعيد المذيعة سؤاله: سيد سلطان؛ سؤالي كان: هل طلبتم وقف الانتهاكات ضد الاحتجاجات الشعبية كشرط لقبول الحوار؟ العتواني يقترب ويتحدث عن ضرورة وقف العنف ضد المتظاهرين سلمياً، وكان واضحاً في طريقته في الكلام وتلكؤه أنهم لم يشترطوا شيئاً كي يذهبوا لحوار علي عبدالله صالح، أو بالأصح لتخليصه مما هو فيه.
في وقت ترنح علي عبدالله صالح خلال فبراير 2011م لم تظهر تصريحات لحلفائه الرئيسيين –حزب الإصلاح- الذي كان واضحاً أنه دفع بشركائه في اللقاء المشترك لقبول الدعوة للحوار، وسلطت الكاميرات التي يدير كثير منها عناصر من الإخوان المسلمين باتجاه ياسين نعمان والعتواني ليجيبا عن تساؤلات بدى واضحاً أنهما لا يملكان لها إجابات تقنع، وظل قادة حزب الإصلاح يديرون المواجهة التي نشأت عن قبولهم الدعوة للحوار عبر ياسين والعتواني الذين بديا فرحين بظهورهما الإعلامي.
كانوا أمام الكاميرات وعلى الشاشات، فيما الشباب الذين لم يكن لديهم وقت لمشاهدتهم وسماعهم كانوا في طريقهم لإقامة أول اعتصام سلمي دائم للإطاحة بعلي عبدالله صالح، انضم اللقاء المشترك للثورة بعدها، واتضح لاحقاً أن انضمامه لم يكن للإطاحة بصالح، بل لإعادة الثورة إلى مربع الحوار بينهم وبينه الذين كانوا قد قبلوا الدعوة إليه خلال مؤتمرهم الصحفي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة "الشارع"، العدد 442، الثلاثاء 12 فبراير 2013م