صفحات من أدب اليمن
رياض نعسان آغا
أمتعني كتاب الصديق المهندس الأديب الدكتور شهاب غانم الذي اختار صفحات شبه مجهولة من أدب اليمن المعاصر لكي يقدمها إلى القارئ العربي الذي أحسب أنه يجهل مثلي كثيراً منها، خصوصاً أنها تحكي عن الرواد الأوائل المؤسسين منذ بدايات القرن العشرين، ولسوء الحظ لم تجد ريادتهم ما تستحق من اهتمام الدراسات التي تتبعت عصر النهضة العربية وأعلامها، لكنها أغفلت الكثير من المساهمات المهمة في مناطق تبدو الريادة فيها أشد صعوبة مثل حال اليمن الذي يشكو مبدعها الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح في تقديمه للكتاب من تجاهل الأشقاء وإهمالهم، على الرغم مما حققه مبدعو اليمن الأوائل من تجاوز للمحلية واستشراف للوصول إلى العالمية ليس من خلال الشعر وحده، وإنما في الكتابات السردية المدهشة.
والدكتور شهاب في كتابه هذا ينصف الأساتذة الكبار الذين أطلقوا اليمن من عقال العزلة وأعادوه إلى مكانته الرائدة، وهو البيت الكبير الذي انطلقت منه الأسرة العربية لتملأ الدنيا فكراً وإبداعاً، والمفارقة أن أبرز هؤلاء المؤسسين لنهضة اليمن من الذين اهتم بهم شهاب هم: أبوه الشاعر الدكتور محمد عبده غانم، وجده لأمه الأستاذ محمد علي لقمان، وخاله علي محمد لقمان، فضلاً عن الأديب اليمني المصري الكبير علي أحمد باكثير، وهو الذي حظي بالشهرة لأنه اختار العيش في مصر.
كما اهتم الباحث بالشاعر لطفي جعفر أمان، وبعدد من شعراء اليمن الآخرين وأشهرهم عبد العزيز المقالح الذي توقف شهاب مع ديوانه «أبجدية الروح»، فاعتبره تجاوزاً من نوع جديد ولغة مختلفة، ورأى المقالح فيه شاعراً صوفياً بامتياز، لكن بأسلوب حداثي، ومن أجمل المقاطع التي يختارها شاهداً على هذه الصوفية قول المقالح ( وفي مدن يقيم الله بهجتها، ويصنع ماءها من نبعه المتدفق الجاري، هنا شاهدت ما لا عين تدركه، رأيت الحب في أسمى مراتبه، وكنت – وقد بدا ضعفي– أنا المتسول الشاري، وعدت إلى نداء الأبجدية، في سماء الروح، في كفي مواجيد التراب، وصوت أسراري) وعبد العزيز أهم شعراء الحداثة في اليمن.. يقول عنه شهاب: «إنه مفخرة لبلاده ورمز ثقافي لليمن».
وفي حديث الكاتب عن جده محمد علي لقمان، يعرض لمذكراته التي نشرها لقمان بـ«الإنجليزية» عام 1960 في صحيفة (إيدنكرونكل)، وهي أول صحيفة تصدر بـ«الإنجليزية» مستقلة في اليمن، وقد أسسها لقمان وترأس تحريرها، ويعرض شهاب علاقات جده لقمان بشخصيات تنويرية كبيرة في عصره مثل المهاتما غاندي، وعبد العزيز الثعالبي ومحمد علي الطاهر والزبيري، ويتوقف بأناة عند علاقته بصديقه علي أحمد باكثير، حيث تبدو حياة لقمان مثيرة ملأى بالأحداث الدرامية بل والتراجيدية أيضاً، ولو أن أحد كتاب السيناريو في اليمن تأملها لوجدها سيرة شخصية ثرية تصلح لأن تكون مادة مسلسل تلفزيوني مهم، يمكن أن يقدم من خلاله تاريخ اليمن المعاصر، فقد شارك لقمان في كتابة دستور اليمن عام 1948، والتقى غاندي وراسل الرائد التونسي الشهير الثعالبي، وعقد صلة حميمة مع شكيب أرسلان، وقد أطلقت عليه جامعة عدن في ندوة عنه لقب “رائد التنوير في اليمن”.
وفي حديث شهاب عن الكاتب الشهير علي أحمد باكثير - وهو حضرمي أصلاً ونشأة، إندونيسي الولادة، مصري الجنسية والشهرة- يرى شهاب أن باكثير سبق نازك الملائكة والسياب إلى كتابة الشعر الحر بنحو عقد من الزمن، كما يشير شهاب إلى معاناة باكثير في أواخر حياته من محاصرة سياسية بسبب موقفه العروبي الإسلامي.
ولا بد من القول إن كتاب شهاب لا يمكن تلخيصه، فهو سلسلة مقالات يجمعها الكتاب مثلما يجمعها موضوع اليمن والأدب، ولئن تساءل أحد عن سر غياب البردوني عن هذه الصفحات، فبوسعه أن يعلم أن شهاباً ألف كتاباً خاصاً عن هذا الشاعر اليمني الكبير، وقد صدر عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وقد أحببت أن أشير إلى كتاب «صفحات من أدب اليمن المعاصر» تحية للصديق شهاب، وثناء على هذا الجهد الوفي، وإعجاباً بمهندس وعالم كبير يحرص على الجمع بين العلم والأدب.