قال المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي أستاذ اللغويات وأحد مؤسسيها في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إن سر تمكين ودعم الولايات المتحدة لإسرائيل في ارتكاب المجازر والجرائم هو هزيمتها لعبد الناصر عام 1967. جاء ذلك في حديث أدلاه مع الصحفية كاثلين ويلز لبرنامج ريس توك.
وعندما وجهت كاثلين استفسارا لتوضيح ما أراد تشومسكي عند قوله إن كل جريمة أو انتهاك للقانون الدولي ارتكبته اسرائيل يتم من خلال المشاركة المباشرة والموافقة الأمريكية المسبقة له.
وكان رد اليساري تشومسكي إن ذلك الوصف قوي جدا لكنه حقيقي فقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو لكل قرارات مجلس الأمن التي تدين جرائم اسرائيل ومجازرها ومنعت مطالبة مجلس الامن لإسرائيل بإيقاف تلك المجازر. وأضاف تشومسكي أنه يمكن إثبات ذلك بسهولة لكن الأهم هو التعرف على تفسير الدعم الأمريكي لإسرائيل وموقفها من تلك الجرائم لاستيضاح وتبين صحة تلك التوصيفات.
حدد تشومسكي أن حقائق التاريخ واضحة ودعم الولايات المتحدة لإسرائيل لم يكن تاما بالشكل الحالي إلا عقب سنة 1967، والواقع أن علاقة الولايات المتحدة قبل حرب 1967 لم تكن تختلف عن القوى الأخرى أي مثل علاقة بريطانيا وفرنسا بإسرائيل فكان هناك تعاطف ودعم ومن مصادر متعددة منها الصهيونية المسيحية وهي قوة نافذة أقوى من الصهيونية اليهودية. ولشخص مثل هاري ترومان رئيس الولايات المتحدة أنذاك فمحبة اسرائيل هي أمر مفروغ منه في التقاليد المسيحية وكذلك الحال بالنسبة لباقي الشعب الأمريكي، ولكن هذا عامل واحد وهناك عوامل مهمة أخرى.
يواصل تشومسكي شرحه بالقول إن التغير الجذري في العلاقة بين الاثنين حدث في العام 1967، وبالنظر إلى أرقام المعونات الأمريكية لإسرائيل يمكنك كشف ذلك بسهولة (سمح ببيع طائرات فانتوم لاول مرة لإسرائيل عقب تلك الحرب- المحرر).
لكن حدث تغيير رئيسي في المواقف عام 1967 ، وذلك على كل الأصعدة، السياسي والإعلامي والفكري ليتحول التعاطف أو اللامبالاة إلى دعم بشغف ولا محدود.
ويضيف تشومسكي إن سر ذلك هو أن اسرائيل دمرت مصدر القومية العربية وجمال عبد الناصر في مصر والذي كان يعتبر في الغرب خطرا رئيسيا، وكان يجري هناك وقتها صراع خطير بين الإسلاميين في السعودية حيث النفط والقومية العربية ومركزها مصر في ذلك الحين، بل كانت السعودية ومصر في حالة حرب، بل في حرب بالوكالة في اليمن.
وكانت بريطانيا والولايات المتحدة تدعمان باستمرار الإسلاميين ضد القومية العلمانية التي تهد بالسيطرة على موارد الشرق الأوسط الغنية لتستخدمها لفائدة المنطقة بدلا من تركها ليتم التحكم المركزي بها ليسمح للولايات المتحدة وحلفائها بالاستفادة منها، وهذه قضية أساسية.
وعندما قامت إسرائيل بتدمير القومية العربية التي قادها جمال عبد الناصر، اعتبر ذلك مساهمة ضخمة للاستراتيجية الجيوبوليتيكية وحماية حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط. ووقتها تبدلت المواقف كليا لتصبح كلها لصالح اسرائيل بدون أي تحفظ، وتدفقت المعونات الأمريكية وتضاعفت أكثر من أربعة أضعاف وكذلك حال الدعم الدبلوماسي الذي ارتفع بحدة منذ ذلك التاريخ. ووقتها أعلن عن مبدأ نيكسون وهو أنه على الولايات المتحدة أن تسيطر على نفط المنطقة من خلال الحلفاء المحليين والإقليميين أو ما سماه ميلفين ميرد، وزير الدفاع الأمريكي وقتها ، "شرطي الحارة" ليبقى مركز الشرطة في واشنطن.
وأصبح دور اسرائيل شرطي آخر، وهو ما سمي استراتيجية الوكالة، أي قيام دول غير عربية بحماية الوضع القائم ضد خطر القومية العربية الراديكالية والقومية القطرية، أي الاستفادة من الموارد المحلية للصالح المحلي.
وكان ريغن يحتاج إلى دولة إرهابية يمكن أن يوكل لها كل المهام القذرة والجرائم التي يراد منها الالتفاف على الكونغرس والقوانين الأمريكية والقوانين الدولية، فكانت هناك اسرائيل سواء كان ذلك لمهام تقديم أسلحة أو ارتكاب مجازر مثل ما حدث في غواتيمالا وجنوب أفريقيا وحتى بيع السلاح لإيران في حربها مع العراق.