الإثنين, 28 تموز/يوليو 2014   30. رمضان 1435

  

Twitter

تتعدد أوجه وأذرع جهاز الاستخبارات المركزية الاميركية الـ”سي اي اي” في العالم، وهي بمجملها عدا عن اعمالها التجسسية والامنية، تلجأ عادة الى تهيئة الظروف الملائمة لإحداث تغييرات في الانظمة السياسية للدول بما يصب في خدمة المصالح الاميركية الاستراتيجية، وبما يجعلها قادرة على استبدال تلك الانظمة بأنظمة حليفة تدور في الفلك الاميركي الاسرائيلي.

وكما ان لكل حرب ادواتها، فللحرب الناعمة التي تخوضها الاستخبارات الاميركية اساليبها ايضاً، ومنها استحداث عدد كبير من المنظمات غير الحكومية التي يصفها البعض بالـ”سامة” ( التنموية، الحقوقية، المالية، توعوية ..)، فلكل من هؤلاء مهمة محددة منها ما هو مخصص لاختراق الاقتصاد والانظمة المصرفية ومنها ما هو مخصص للتجسس وجمع المعلومات ومنها ما هو مخصص لتحقيق الضغط على الانظمة والدول.. ومن

افتعلت وكالة الإستخبارات المركزية “سي آي أي” بعيد تأسيسها عام 1947 عدداً كبيراً من الحروب، وزوّرت عدداً كبيراً من الانتخابات في أوروبا، وحاربت الديمقراطيات الناشئة في اميركا اللاتينية وفي الشرق الاقصى وفي الهند والعالم العربي ومهدت لعقود من الديكتاوريات العسكرية وأنشأت فرق موت لتلك الأنظمة ومارست القتل والتخريب تحت شعار الحرية ومناصرة الديمقراطية. هذه المنظمات التي حققت انتشاراً واسعاً في شتى ارجاء المعمورة : منظمة فريدوم هاوس freedomhouse (بيت الحرية)، برنامج جيل جديد، وموفمنتس دوت أورغ movements.org، الصندوق الوطني للديمقراطية التابع للملياردير الصهيوني جورج سوروس، أكاديمية التغيير، ومنظمة سايبر ديسينتس CyberDissidents أو (صناعة المعارضة الالكترونية).

لكن يبقى ولعل احدى ابرز المنظمات التي لعبت دوراً كبيراً في سياق المحاولات الاميركية المستمرة لاحتواء ثورات ما يسمى “الربيع العربي” وحرفها عن مسارها منظمة “كانفاس” المعنية بتطبيق استراتيجيات فوضى صدم الشعوب بالأنظمة عبر تسمية ناعمة “اللاعنف والكفاح السلمي” والتي قامت بتدريب عدد كبير من النشطاء العرب قبل وخلال وبعد الثورات العربية حول كيفية احداث التغيير في بلادهم ونشر الحرية والديمقراطية.

فالباحث لا بد ان يلاحظ ان ثمة قاسماً مشتركاً بين كل شعارات ثورات “الربيع العربي”، وبين هذه الاخيرة وبين ما سمي “الثورات الملونة” المصطلح الذي أطلق على الحركات المطلبية في بعض الدول المناوئة للغرب كالدول الشيوعية السابقة في وسط وشرق أوروبا ووسط آسيا مع بداية القرن 21، وقد استخدم المشاركون في هذه الثورات تكتيكات “الكفاح السلمي” والاحتجاجات والمظاهرات، فلوحظ فيها جميعاً استخدام تكتيكات متشابهة، منها مثلاً اعتماد وشاح ذي لون محدد، أو زهرة كرمز (الثورة الوردية في جورجيا، الثورة البرتقالية في أوكرانيا، وثورة التوليب أو ثورة السوسن أو ثورة الزنبق أو ثورة الأقحوان أو الثورة الزهرية في قيرغيزيا، وثورة الأرز في لبنان، الثورة الزرقاء عام 2005 للمطالبة بمشاركة المرأة في الحياة السياسية في الكويت، وثورة الزعفران في بورما أو ميانمار عام 2007. وأطلق على أعمال الشغب في التبت عام 2008 اسم الثورة القرمزية ).

الا ان الرابط الاقوى بين كل هذه الثورات يبقى شعار “قبضة اليد”، الذي كانت حركة “اتبور” اول من رفعه عام 2000 في شعارها ضد النظام الصربي، لينتقل بعدها الى حركة كمارا في جورجيا عام 2003، وحركة بورا بأوكرانيا عام 2004، وحركة كلكل في كازاخستان 2005 ، واوبرونا في روسيا 2005، وفنزويلا في 2007، وايران 2009 ، و6 ابريل 2011 في مصر، وحركة المعارضة الماليزية “بيريش” لعام 2011 ، حركة المعارضة 20 فبراير في المغرب، حركة 25 فبراير في موريتانيا، وكذلك اعتمدته حركة 14 اذار عام 2005 عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مع العلم ان شعار “قبضة اليد” يتطابق مع شعار حركة “كاخ” الصهيونية أيضاً والتي كانت اول من اعتمده عام 1971، كما ان جميع تلك الحركات تضمنت محاولات متشابهة لاستمالة الجيش او الشرطة، ووسائل الاعلام.. (صورة الوردة).

أبعد من ذلك، قد نجد هذا الشعار قد اصبح ايضاً رمزاً مكرساً حتى في برامجنا التلفزيونية دون ان ندري حقيقة هذا الامر، مثلاً أحد البرامج التلفزيونية المخصصة للأطفال على محطة فضائية والمباشرة على الهواء يصور برنامجه من داخل استديو أعد خصيصاً لينسجم مع اهواء الاطفال لكن اللافت والغريب في الامر ان هنالك مجسمين بحجم كبير خلف المذيعة لرمز “قبضة اليد” وقد ظهرا انهما دخيلان على الديكور ولا ينسجمان معه اساساً لا من حيث الشكل او اللون او المضمون، ما يوضح ان ثمة هدفاً من خلف ذلك وهو ادخال هذا الرمز في اللاوعي عند الاطفال.

وهنا يطرح السؤال: هل ان استنساخ هذا الرمز في شعارات جميع ثورات “الربيع العربي” وباقي الثورات الملونة في العالم هو محض صدفة، ام ان جهة واحدة تقف خلف هذا وتحاول تصدير افكار معينة وتعليب التحركات الشعبية الثورية واختراقها في محاولة لاستيعاب نتائجها وتجييرها لصالحها؟ ومن يقف خلف تلك التسميات، وتحديد الرموز والالوان والاشكال والشعارات التي ترفع؟ ومن يقود بعض المشهديات التي تصور ما يحصل في بعض الثورات بالعفوية والبراءة، علما اننا قد نلاحظ ان مشهداً واحداً في خضم الحراك الشعبي يكاد يتكرر في أكثر من بلد؟.

“الانتقاد” أجرت بحثاً معمقاً وعلى مدى أشهر علّها تجد اجابة شافية ووافية عن السؤال السابق، فكان انه كلما تعمق البحث كلما توصلت لنتائج خطيرة، تعد بمثابة فضيحة كبيرة في عالمنا المعاصر، اولى هذه النتائج ان مصدر رمز “قبضة اليد” وتلك الشعارات واحد وهو معهد للتدريب على ما يسميه المعهد “الكفاح اللاعنفي”. فمن هو هذا المعهد؟ وكيف أنشئ وبأية اهداف؟!

*منظمة “كانفاس”الصربية :

“قبضة اليد” رمز اتخذته بدايةً حركة “أوتبور” المعارضة في صربيا والتي أطاحت بالرئيس الصربي سلوبودان مليسوفيتش عام 2000، وبعد نجاح تلك الحركة في مهمتها بدعم امريكي وتمويل من الملياردير الصهيوني جورج سورس تم تطويرها إلى مركز لدراسات اللاعنف وتم تسميتها: “كانفاس “:CANVAS : Center for Applied Nonviolent Action and Strategies

من هنا بدأ هذا المعهد بتدريب النشطاء وتعميم التجربة الصربية على دول اخرى أملاً بتصدير الثورة ومنها جورجيا، واوكرانيا وروسيا وفنزويلا. وقد سميت تلك الثورات بالثورات الملونة لأن كل حركة اتخذت شعاراً لها له علاقة بالألوان تحت شعار واحد وتم نسبة الثورات الملونة لجورج سوروس الممول الصهيوني الرئيسي “للصندوق الوطني للديمقراطية”.

ومعهد “كانفاس” الذي انشئ في بلغراد، يضع مواد التدريب فيه دكتور العلوم السياسية في جامعة أوكسفورد جين شارب، وهو خبير في تكتيكات المقاومات السلمية حول العالم وواضع تكنيك “حرب اللاعنف” الذي استوحى أعماله من مقاومات غاندي السلمية ضد الاحتلال البريطاني، وشارب كان قد اتهم من قبل رئيس فنزويلا الحالي هوغو تشافيز بأنه عميل للمخابرات المركزية الأمريكية.

يمول المعهد ايضاً الملياردير الصهيوني بيتر أكيرمان، الذي يعمل جنباً إلى جنب مع الصهيوني جورج سوروس الذي يمول منظمة “فريدوم هاوس” و”الصندوق الوطني للديمقراطية NED”.. وهم يعملون معاً في تمويل ما يسمى بـ”المجتمعات المدنية المفتوحة”.

اما شعار “كانفاس” فهو شعار “قبضة اليد” الذي يعني ان “القوة في يد الشعب” أي أن يحكم الشعب نفسه بنفسه دون سلطات قيادية مدنية او عسكرية، بحيث يكون القرار الأول والأخير في يده، وهذا مستوحى من مقاومة غاندي والمسلمين السلمية في الهند ضد قوات الاحتلال البريطاني، مع الفارق أن مقاومة غاندي كانت ضد الاحتلال البريطاني وليست ضد دولة الهند نفسها. واليوم يتم تطبيق هذا التكنيك لغزو الدول المستهدفة عن طريق قوة شعوبها ضد أنظمة وأعمدة الدولة دون الاضطرار إلى التدخل الأجنبي، فالمطالبة بإسقاط الشرطة وأمن الدولة والحكم العسكري والقضاء ومؤسسات الدولة بوابة لتطبيق نظرية الفوضى الخلاقة والقضاء على وجود مؤسسات سيادية في الدول المستهدفة.

واليوم تعمل منظمة “كانفاس” مع شبكات في أكثر من 50 بلداً آخر، وهي متورطة في العمل على تغيير أنظمة عدة دول كما انها تسعى لتطويق روسيا والصين.

“كانفاس” ودوره في فنزويلا والعراق

زيارات مكثفة بين أجهزة استخبارات أمريكية و«صربيا» لدعم الثورات فى العالم

احدى وثائق ويكليكس التي نشرت مؤخراً سلطت الضوء على معهد “كانفاس” ودوره في الاعداد للثورات حول العالم وعلاقته الوثيقة بالاستخبارات الاميركية “سي اي اي” وفروعها المتعددة حول العالم ومنها مركز “ستراتسفور”، وتحدثت عن الدور الذي لعبه المعهد في التحركات المعارضة للرئيس الفنزويلي هوغو تشافير في فنزويلا، كاشفة عن عدد من الزيارات التي قام بها اعضاء وقادة المدرسة الصربية للثورة «CANVAS» لمسؤولي مركز «ستراتفور» للشؤون الاستخباراتية والأمنية بشكل سري ما بين عام 2010 و2011 واللقاءات التي أجروها والمراسلات التي تمت بينهم. الوثيقة كشفت عن ارتفاع معدل نجاح انشطة “كانفاس” في فنزويلا وعلاقته الوثيقة مع نشطاء وأفراد في هذا البلد فضلاً عن مساعيه لتجميع المعارضة من الطلاب قبيل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية هناك.

تطورت اساليب عمل “سي آي أي” من تهيئة الارضية في بعض الدول لتنفيذ عمليات اغتيال وانقلابات عسكرية، وصولاً الى انتهاج ما يسمى بـ”استراتيجية الفوضى الخلاقة”، خصوصاً بعد سقوط الإتحاد السوفياتي السابق، وفي هذا الاطار برزت في ساحة العمل الاستخباراتي الاميركي جمعيات ومنظمات تخدم وكالة الاستخبارات الاميركية وتعمل بإمرتها بهدف السيطرة على مقدرات وثروات الشعوب وتدمير المؤسسات الرسمية وبناها التحتية إن لم يكن بالقوة العسكرية فبالناشطين المدنيين والمنظمات الأهلية وهيئات حقوق الإنسان المحلية والدولية ووسائل الاعلام العملاقة والممولة أميركياً.

الوثيقة كشف عن زيارة قام بها رئيس المدرسة الصربية سيردجا بوبوفيتش في 9 ايار/مايو 2010، إلى العاصمة واشنطن للتحدث حول وظيفتهم بشأن إعداد وتهيئة الثورات في جميع أنحاء العالم، “فهم وراء عدد من الثورات الملونة، ولديهم صلات وعلاقات قوية ووثيقة بأجهزة ووحدات الاستخبارات الأمريكية. الزيارة اشتملت على محاضرتين القاهما أعضاء المدرسة الصربية، وهدفت إلى بناء شبكات استخباراتية مع من يصنعون الأخبار، ولاطلاع الفريقين التكتيكى والاستراتيجى في مركز «ستراتفور» في ولاية اوستن على التكتيكات والآليات التى تجمع الثورات معاً ثم يتم تنفيذها.

الوثيقة كشفت ايضاً عن نموذج من التعاون بين “كانفاس” و”ستراتسفور”، وكيف قام الاخير بتزويد مصدره في المعهد الصربي بما طلبه من معلومات في 23 ايار/مايو عن الأكراد فى العراق حول: كيفية تنظيم الحكم الذاتي للأكراد فى العراق، هل هناك قوانين لذلك؟ ما نوع القواعد التى وضعوها لأنفسهم بصرف النظر عن بقية العراق؟ كيف يتم تنظيم الأكراد إقليمياً في العراق؟ ومن الذى كتب القواعد الإدارية لهذا التقسيم؟ وهل تمت كتابته على أيدى مسؤولين أمريكيين فى الآونة الأخيرة أم لا؟.

اذاً، يستخلص مما تقدم ان ما يسمى بـ”الكفاح اللاعنفي” ليس في حقيقة الامر سوى كلمة حق يراد بها باطل، وهي مصداق عملي لنظرية “الفوضى الخلاقة” من خلال صدم الشعوب بأنظمتها وتدمير مؤسسات الدول واضعافها ما يمكن الغرب من التلاعب بمقدراتها والتحكم بها للسيطرة على ثرواتها، كما ان المراكز التي تدعي نشر الحرية والديمقراطية وتدريب النشطاء على ذلك لا يمكن استبعاد علاقتها بوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية “سي اي اي” التي تدرب عملاء لها من اجل احداث انقلابات على انظمة الدول ومحاولة احتواء الثورات وتشكيل انظمة جديدة تسير في الركب الاميركي الاسرائيلي.علي عوباني:صحيفة الانتقاد الاكترونية

{youtubejw}AeA6OKW05WE{/youtubejw}

أضف تعليق