حيتان المشهد الثقافي
زياد القحم
شكى إلي زميلٌ ممن يكتبون الشعر ، عدمَ اهتمام النقاد الكبار بإنتاج الشعراء الشباب ، وعدم التفاتهم إلى تجارب جيلنا ، وحاول إغرائي وآخرين ، لنقيم بعض الأنشطة الاحتجاجية على ذلك ، ومنها فعالية ندعو فيها النقاد ونحفزهم على أن يشتركوا معنا في تحريك المشهد !! بأن يتابعوا ما ننتجه بنقدهم السامي !! لكني لم أستسغ مطلقا الانجرار مع زميلي في هذه الجريرة أو الذنب ، لأن بعض الأقلام لن تتفهمك مطلقا حتى تتخرج على يديها الملطختين بتهميش الكفاءات الحقيقية ، فلن تجيز نصك المحلق _ قبل تخرجك _ بحجة أنه متجاوز ومختلف!! ولكنها بعد أن تستثمرك ، ستشيد بنصك البارد ، لأنه يقترب قليلا من التجاوز والاختلاف !!
أخبرت زميلي بأنه سيكون أجمل ، حين ينجز قصيدةً أجمل ، وليس حين يتحول إلى موزع دعوات حضور لحالبي بقرة الثقافة وشاربي دمها ، وقلتُ لهُ : لو اقترفنا هذه المناشدة وهذا الاستجداء سيكون موقفنا أسخف من موقف بعض مسؤولي الثقافة الذين يعلنون تضامنهم مع الشاعر الجميل / فيصل البريهي ، تضامنا بدون رصيد _بالطبع _ رغم أن حياة هذا المبدع في خطر ، ولكنهم يكتفون بتضامنهم الأجوف الذي تشبه نتيجته نتيجة كرت خدش لمسابقة تجارية ، تخدشه فيخدش أملك بعبارة : حاول مرةً أخرى .
هل هناك مجالٌ للمقارنة - ثقافيا- بين شخصين ، أحدهما يكتب وينجز أعمالا أدبية جميلة ، والآخر يستلم الرواتب والمساعدات وبدل السفر وبدل الخيبة باسم الثقافة ، دون أن يكون له إنجازٌ يذكر ، ومع ذلك نجد أنفسنا ملزمين بأن ندعوه بالكبير !!
نحن في مجتمع ترهل فيه كل شيئ ، واحدودبت فيه ظهور المناشط العامة ، ولم يقتصر العجز على الجهات الرسمية وحدها ، بل تجاوزها ليصيب أيضا مؤسسات المجتمع المدني العاملة في الشأن الثقافي ( النشر – الإنتاج الفني والإعلامي - الشعر – القصة – الفنون –الآثار ...الخ )فهي أيضا تستثمر المشهد لصالح حيتانها الخاصة ، ولا ننكر أننا نساهم في هذا الوضع ، ونقنع ذواتنا بأن هذا الحوت أفضل من الحوت الآخر ، ونحن بذلك نجسد نوعا خفيفا من الحرية المخففة وفق شعارٍ افتراضي : ( من حقي أن أختار الحوت الذي يأكلني )
ولا ننكر أيضا أننا – كشبابٍ مبدعين – سنقنع بحدٍ أدنى من مطالبنا ، لا يليق بمكانة الثقافة الحقيقية في الحياة ، فقد نجد أنفسنا يوما لا نطالب بتكريسنا في المشهد الثقافي ، بل نطالب بأن يكون طردنا من هذا المشهد مؤدبا ولائقا بنا كمبدعين حقيقيين يستعدون لترك أماكنهم لمجاميع من الزّمالة والمهرجين والغوغاء .
والأمر المؤسف حقاً أن سدنة الكيانات الثقافية يفاجؤوننا بين حينٍ وآخر بالتحدث عن اهتماماتهم بجيل الشباب ، ويقدمون لنا نماذج لأشخاصٍ قريبين منا عمريا فقط وليس إبداعيا ، وقد تحولوا إلى حملة مباخر ومجامر ، وحُسِبوا على الوطن مبدعين !!
باختصار : المشهد يحتاج لأنشطة تغربل الكفاءات ، وتفرز الأقلام الجادة وتبرزها ، وليس تلميع ( الطارف ) من عابري الأدب .