علي ربيع
*وصل الموكب العرائسي إلى النقطة الأمنية في أحد شوارع صنعاء، وأخذ أصحابه يطلقون تلك الصواريخ المدوية، التي شددت الداخلية الموقرة على منعها، قبل أن ينقض عليهم أفراد النقطة كالصقور، ويوقفون السيارة التي كان يتشبث بفتحة سقفها ذلك "المقرح" برفقة خمسة آخرين.
*دفعني الفضول إلى الاقتراب بصمت لترقب ما ينتهي إليه الموقف، على الأقل سأكسب موضوعاً للكتابة، خارج نطاق السياسة التي أجدني هذا الأسبوع مصاباً بقرف الكتابة فيها، لأن صدري يغتلي بما لا أود قوله أو كتابته، ليس خوفاً من أحد، ولكن احتراماً للذات، ورغبة مني في عدم الانسياق وراء انفعالات جياشة، قد أندم لاحقاً، لأني أفرزتها بشكل قد يكون حاداً ومتطرفاً.
*المهم، وضعت في ذهني أكثر من سيناريو لنهاية المشهد، فإما أن ينفرد أحد المقبوض عليهم بأحد الجنود ويدس في جيبه بعض المال، ليقال بعدها خلاص هذه آخر مرة، ومع السلامة، لا تكرروها يا شباب، وأي خدمات احنا جاهزين، وإما أن يصر جنود النقطة على اصطحاب المقرحين كلهم، أو واحد منهم على الأقل، إلى قسم الشرطة لاتخاذ الإجراءات القانونية في مثل هكذا حالات. في الحال الأولى كنت سأكون شاهداً على سقوط القانون تحت وطأة الحاجة العوز وحق القات، وفي الحال الثانية كنت سأكون شاهداً على الانتصار للقانون، والتغلب على نوازع ضيق اليد، هكذا حدثت نفسي.
*لكن خيب الجنود ظني وسقط السيناريوهان اللذان وضعتهما في الحسبان، لأكون شاهداً على سيناريو ثالث، تغلب فيه الجنود على النفس الأمارة بأخذ المال، لكن سقط فيه القانون أمام سطوة العسيب وسلطة الشال، حيث لجأ المقرحون إلى الاحتماء بالقانون الاجتماعي الذي لايغلب، ألقوا أمام الجنود عصيهم وحبالهم، أقصد جيهانهم، الشيلان والعسوب، وحتى الأكوات، إدراكاً منهم أنهم يعزفون على القانون الذي لا يقهر ولا يعلى عليه، تعالت الأصوات من المتجمهرين: خلاص، عيب، الجماعة قد اعترفوا بالخطأ، جاوب أحد الجنود: عليتم يارجال، قال الثاني: مقبول مرجوع، هتف الثالث بحدة، ويبدو أنه كان يميل لقانون "حق القات": لكن بطلوا الزقعة، ودعهم الرابع: مع السلامة، وألف ألف مبروك، وأفراحكم دائمة.
نعم، في هذه البلاد، يسقط القانون بشال أو عسيب ، كما يمكن أن يسقط بخمسة آلاف ريال، سواء في هذه الحادثة أو في شبيهاتها، وسيستمر سقوطه كذلك، ما لم تحدث ثورة تغيير حقيقية، ليس للنظام السياسي، كما يفهم سعاة السلطة ودجالو مراكز القوى السياسية، ولكن للنظام الاجتماعي بشقيه الاقتصادي والثقافي، وهما الجانبان اللذان تستهدفهما أي ثورة إنسانية بناءة، وأي فعل تغييري واعٍ، ففي الأول منهما ستسقط مبررات الحاجة والعوز، وفي الثاني ستسقط مبررات القبيلة والشهامة المدفوعة بتلبية الواجب الاجتماعي، خوفاً من العيب، وفي الجانبين كلاهما إن حدثت الثورة، سينتصر القانون، وتتعزز قيم المدنية، ومعطيات الدولة العصرية، ويسقط قانون الشال والريال، أفلا تتفكرون؟