د.ابتسام المتوكل
تقترب ذكرى ربيعنا اليمني، ويبدو كأن هناك احتفاء على نحو ضمني، إذ ستدشن اليمن مشروعا وطنيا ومعرفيا هاما للغاية، سيتم إنشاء مجمع للغة العربية؛ أخيرا ستجد العربية، في البلاد التي تزعم أنها مهد بنيها وجذوتهم الأولى، ستجد بيتا تحتمي به من مخاطر العصر وأوصابه!
إنشاء مجمع للغة العربية في اليمن خطوة هامة وضرورية لا جدال في ذلك، على الرغم من أننا قد تأخرنا- كعادتنا الأصيلة- قرنا أو يكاد؛ أحقا تفضلنا مائة عام من العزلة عن الاشتغال في أمر العربية وبها؟
مائة عام من العزلة عن المجامع اللغوية في الوطن العربي، مائة عام من العزلة عن خدمة جذورنا وعروبتنا ومستقبل هويتنا!
ومع كل هذا التخلف المئوي إلا أننا وعلي يدي يمن ما بعد الربيع سنفعلها، سنجترح صرحا علميا للعربية، مجمعا فيه أمناء على العربية من المشتغلين بها والمبرزين في اجتلاء أسرارها وعلومها. ستقتفي اليمن أثر مصر فتجعل في عضوية مجمعها (العلماء المعروفين بتبحرهم في العربية) وما بين القوسين منقول من نص مرسوم إنشاء مجمع اللغة العربية الذي أصدره الملك فؤاد الأول عام 1932 م. وسيُعرف مجمع اللغة العربية عندنا على نفس النحو الذي يُعرف به مجمع دمشق فيقال: (هو مجمع أكاديمي يتألف من عشرين عضواً من علماء ومتخصصي اللغة العربية)؛ بل ستفوق اليمن مصر ودمشق بزيادة عشرة أعضاء فوق العشرين الذين يمثلون قوام أعضاء كل مجمع.
ها نحن على مشارف حدث وطني، ولا يفصلنا سوى القليل من الوقت لنتبين أن هذه البلاد التي لا تنقصها الفوضى و(موترات) الرعب والنسخ (الأبينية) و(الرداعية) من مسلسل القاعدة الذي لا ينتهي بثه، بوسعها أن تحتفي بحدث ذي صلة بهويتها الحضارية ودورها المستقبلي.
لكن الريح -تبا لها- تنقل أخبارا تعيق ولادة احتفائنا كاملا وكما يليق بمولود استمر حمله ما يقارب القرن!
لكن ماذا قالت الريح، وأين موطن الإعاقة التي تتهدد جنيننا المنتظرة ولادته قريبا؟
قالت الريح لآذان كثيرة: إن المجمع المنتظر لا صلة مؤسسية له بالجامعات اليمنية، وأن وزارة التعليم العالي لم تستشر في أمره كما تقتضيه تجارب من قبلنا، وكما يقره منطق هوية المجمع واختصاصاته.
قالت الريح: إن اللجان التي أسست وأعدت اللوائح ليست جهة اختصاص، وأن حدثا متأخرا -على اهميته- لا يجب أن يشتغل بهذه الصورة المزاجية والانتقائية دون الرجوع إلى الأعراف المكتنفة لإنشاء مجامع اللغة العربية من حولنا، فلسنا بدعا بين الأمم، فلم يصر بعضهم أن يجعلنا بدعة؟
قالت الريح: إن القرار سيصدر بأسماء ثلاثين عضوا عاملا، والأولى في صدور قرار كهذا أن يسمى المجمع واختصاصاته ثم يترك وقت كاف لتمحيص الأسماء وفقا لمعايير علمية موضوعية تماما.
هل قالت الريح أيضا إن تفصيل العضوية تم وفق بعض (المحوشين) وأنها جعلت الفضل للمتقدم فمنح عضوية مدى الحياة، وما استجد من عضويات فلخمس سنين فحسب!
قالت الريح.... وقالت....؛ وما أود قوله أنا إن الاسم الذي لا خلاف عليه في هذا المشروع، ويعد وجوده في المجمع بديهية هو أ.د. عبد العزيز المقالح الشخصية الثقافية والأكاديمية الوازنة التي تقدم اليمن للعالم شعرا ونقدا ومعرفة لكن وجود هذا العلم الثقافي، الذي نفخر به، لا يكفي لدفع جملة من المآخذ التي نثرتها الريح قبيل ولادة المجمع، وكأنما تود إنقاذه من سوء البدايات التي لا تبشر بما يليها، فهل من آذان صاغية؟ هل من منقذ للمجمع مما يراد له أن يكونه؟
هذا بلاغ، وإنه لبراءة للذمة من تحويل مسار عمل وطني علمي إلى صورة من يمننا اليوم الذي مازال يقصر عن ملامح اليمن الجديد الذي حلم به الشباب وتقدموا لرسم الحلم فقضى منهم من قضى وبقي منهم من عاهدوا الوطن على ألا يبيعوه أو يخذلوه على الرغم من الجراح بشتى تجلياتها!