الخميس, 03 تموز/يوليو 2014   5. رمضان 1435

  

Twitter


** المخدرات.. أرقام مخيفة
ما يقارب ألف شخص -تقول تقارير الأجهزة المعنية في اليمن- تورطوا في جريمة المخدرات خلال الثماني سنوات الماضية. وخلال الأربع السنوات الأخيرة فقط تم ضبط أكثر من 800 شخص منهم 150 أجنبيا ينتمون لدول متعددة أهمها باكستان وإيران وسورية والكويت والسعودية.

** تصاعد الأرقام
وبحسب إحصائيات الإدارة العامة لمكافحة المخدرات فإن جرائم المخدرات تتصاعد بشكل مخيف. ففي عام 2004 كان عدد القضايا المضبوطة التي تتعلق بالمخدرات 42 قضية وقفزت في عام 2008 إلى 113 قضية، أما عدد المتهمين فكان 75 متهما في 2004 بينهم 3 من جنسيات أخرى، وقفز في العام 2008 إلى 252 متهما بينهم 72 من جنسيات أخرى. ما يعني أن القضايا المتعلقة بالمخدرات وعدد المرتبطين بها ارتفعت خلال الأربعة الأعوام الأخيرة بنسبة تصل إلى 30 بالمائة.
لكن هذا المعدل لا نستطيع مقارنته بالمضبوطات من المخدرات، فقد ضبطت أجهزة الأمن اليمنية في العام 2008 وحده 13 مليونا ونصف المليون حبة من المخدرات بما يقارب مليون حبة مخدر بين عامي 2006 و2007.
أما بالنسبة للحشيش ففي عام 2006 بلغت الكمية المضبوط 6 أطنان، وشهد عام 2004 إتلاف 1500 غرسه حشيش. في حين كانت الكمية المضبوطة من الحشيش المخدر في عام 2008 ما يقارب 27 طنا، وضبط 3 غرسات فقط. وهذا يثبت ارتفاعا في كميات المخدرات من الحبوب والحشيش المستورد.
الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في اليمن وبإمكانيات متواضعة جدا تقوم بمهمات خطرة في ضبط عمليات كبيرة بين تجار المخدرات.
لا يتعدى قوام هذه الإدارة 50 ضابطا وفردا، وفروعها في المحافظات ما زالت تعمل بإمكانيات بسيطة، ويتوقع التحاق 100 جندي بها قريبا، حسب ما يقول المعنيون.

** مدير عام مكافحة المخدرات العميد خالد الرضي: معظم الكميات التي ضبطت كانت متجهة إلى دول الجوار واليمن منطقة عبور
* إدارتكم هي المعنية بمكافحة المخدرات، ما حجم المشكلة؟ وكيف تدخل المخدرات إلى اليمن؟

- الإدارة العامة لمكافحة المخدرات وفروعها بالمحافظات هي الجهة التنفيذية المخولة قانوناً بالقيام بعمليات المكافحة على مستوى الجمهورية، وهناك جهات أخرى معنية بذلك بحكم طبيعة عملها سواء كانت مدنية مثل مصلحة الجمارك أم أمنية مثل خفر السواحل وحرس الحدود وغيرها. بل إن مسؤولية مكافحة هذه الآفة هي مسؤولية جماعية يجب أن تشارك فيها كافة الجهات والهيئات الحكومية والشعبية، وهو ما نؤكد عليه باستمرار من ضرورة تعاون وتكاتف الجميع في التصدي لهذه الظاهرة حماية لأبنائنا وشباب مجتمعنا من هذه السموم القاتلة.
إن معظم الكميات التي تم ضبطها في اليمن تأتي من دول جنوب شرق وغرب آسيا باعتبارها من المناطق المشهورة بزراعة وتصنيع المخدرات، كما قد تأتي من بعض الدول عبر البحر أو الجو داخل البضائع والمهربون يستخدمون وسائل وأساليب إخفاء متعددة.

• هل اليمن منطقة عبور فقط، أم أن هناك تجارة للمخدرات في الداخل؟
- يتضح من خلال محاضر جمع الاستدلال أن الكميات التي تم ضبطها كانت متجهة إلى دول الجوار وهذا ما يؤكد تصنيف اليمن بأنه منطقة عبور أو ترانزيت لهذه المواد إلى بلدان الجوار، ولكن مما لا شك فيه أن عبور المخدرات يزيد الوضع تفاقماً وخطورة سواء على المستوى المحلي أم الإقليمي والدولي، لأن عبور المخدرات يتم من خلال عصابات تضم جنسيات متعددة وتعمل في إطار الجريمة المنظمة وهذا يزيد من المشكلات الأمنية داخل أي بلد، كما أن دخول أي مخدرات أو عبورها من أي بلد لا يحول دون تسريب كميات للتعاطي في هذا البلد أو خلق سوق تجارية فيه.

• هناك من يقول إن بعض تجار المخدرات في اليمن لم يضبطوا لأن لهم نفوذا؟
- هذا غير صحيح ولا يوجد أحد فوق القانون مهما كان وإنما قضايا المخدرات ذات طبيعة خاصة تختلف عن غيرها من الجرائم كونها تتطلب حالة التلبس عند ضبط مثل تلك القضايا.

• إذاً، ما تفسيركم لاتساع نطاق المشكلة؟ وما دور حرس الحدود في الحد منها؟
- من الواضح أن اليمن في موقع جغرافي متميز جعله بين دول الإنتاج من دول جنوب شرق وغرب آسيا وبين دول الاستهلاك من مختلف بلدان العالم، بالإضافة إلى امتداده الساحلي الواسع وارتباطه بصحراء مترامية الأطراف وسلسلة جبلية وعرة المسالك. كل هذه العوامل وغيرها مكنت تجار ومهربي المخدرات من أن يتخذوه مجالا خصباً لجلب بضاعتهم إليه وترويجها فيه أو تهريبها عبره إلى بلدان أخرى.
وهنا نستطيع القول إن الكميات المضبوطة تشير إلى نسبة قريبة من حجم الظاهرة الحقيقي. أما بالنسبة لحرس الحدود فيجب عليهم تأدية مهامهم الموكلة إليهم على أكمل وجه والتسلح باليقظة التامة لحماية هذا الوطن.

• كيف تنسقون مع النيابات في عمليات الضبط؟
- هناك اهتمام كبير من قبل النائب العام بقضايا المخدرات ولم يتوان عن إصدار توجيهاته للنيابة بالاهتمام بقضايا المخدرات باعتبارها قضايا هامة وجسيمة، كما أصدر توجيهاته بإحالة مثل هذه القضايا إلى النيابة الجزائية المتخصصة التي تربطنا بها علاقة متميزة والتي غالباً ما تنظر في مثل تلك القضايا الجسيمة، وهناك أيضاً تعاون وتنسيق مشترك عند القيام بعملية الضبط وفقاً للقانون وهي من المتطلبات الأساسية لهذه الجرائم حتى تكون الإجراءات سليمة وقانونية. ويأتي ذلك التعاون لإدراك الجميع بخطورة هذه الظاهرة وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع.

• نسمع عن عمليات التسليم المراقب، هل نجحتم في عمليات من هذا النوع؟
- بخصوص عمليات التسليم المراقب هي من العمليات الهامة التي تهدف إلى ضبط جميع أفراد التنظيم أو العصابة في آن واحد بحيث تكون شحنة المخدرات تحت المراقبة، وتتم بين الأجهزة المعنية في الدول. ونحن قد قمنا بخلق جسر للتواصل مع عدة أجهزة معنية في عدد من الدول وقد يتم تنفيذها داخلياً أو بين دولة وأخرى، وحدث أن تم التنسيق في مثل تلك العمليات مع بعض الأجهزة في بعض الدول وكللت تلك العمليات بالنجاح، وهي من القضايا التي يصعب تنفيذها بسهولة حيث تحتاج إلى سرية تامة حتى لا تضيع الجهود المبذولة فيها.

• هناك قصص لأشخاص رهنوا في عملية الاتجار بالمخدرات، كيف يتم ذلك؟
- لا شك أن جرائم المخدرات تديرها عصابات دولية منظمة يقومون بتوزيع الأدوار فيما بينهم ويضعون شروطاً وضمانات لعمليات الاستلام والتسليم، فمثلاً يقوم تاجر المخدرات بطلب رهينة من الشخص الذي سوف يستلم الكمية وبدوره يقوم المستلم بإرسال الرهينة إلى بلد التاجر الذي سوف يرسل الكمية ويبقى الشخص الرهينة لدى تاجر المخدرات حتى يضمن حقه بعد استلام الشحنة وبيعها، ثم بعد ذلك وبعد أن تتم عملية البيع وإرسال الثمن للتاجر في بلد المنشأ أو التصدير يقوم ذلك التاجر بدوره بإطلاق الرهينة المحجوز لديه على ذمة تلك الشحنة.

• ماذا عن عمليات غسيل الأموال؟
- تعتبر قضية غسيل الأموال الناتجة من تجارة المخدرات من أهم القضايا التي تشكل تحدياً أمام المجتمع الدولي من خلال دعمها لأنشطة إجرامية أخرى مثل الإرهاب وتجارة الأسلحة وغيرها.
لقد نص قانون مكافحة المخدرات في بلادنا على مصادرة الأموال المتحصلة من هذه الجرائم أيا كان نوعها، كما نص على مصادرة الوسائل والمعدات التي تكون قد استخدمت في هذه الجريمة، وتتكشف هذه العمليات من خلال مراقبة التحركات للأموال المشبوهة وخصوصاً المتورطين في مثل هذه القضايا أو عند عمليات ضبط أحد تجار المخدرات.

• كيف تتعاملون مع المدمنين؟ وما العقبات التي تواجه نشاطكم الأمني؟
- القانون واضح بخصوص المدمن الذي يتقدم بنفسه للعلاج حيث لا تقام عليه الدعوى الجنائية ويعتبر مريضا يجب علاجه بالرغم أنه مذنب ومريض في نفس الوقت إلا أن القانون قد أعفاه من العقوبة عندما يتقدم للعلاج بمحض إرادته.
صحيح أنه لا توجد مراكز علاج للمدمنين سواء في مصلحة السجون أم في جهات أخرى، ونحن نطالب بإنشاء مثل هذه المراكز لعلاج حالات الإدمان وإعادة التأهيل لهم اجتماعياً حتى يعودوا إلى المجتمع أفرادا صالحين.
لا شك أنه لا يخلو أي عمل من عقبات وما زالت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في طور الإنشاء وقد تقدمنا برؤية إلى قيادة الوزارة موضحين فيها العديد من المتطلبات ولمسنا من قيادة وزارة الداخلية ممثلة بمعالي الأخ اللواء الركن مطهر رشاد المصري وزير الداخلية تفهما كبيرا وتجاوبا لتذليل كافة الصعوبات والعقبات التي نواجهها.
إن مشكلة المخدرات هي مشكلة المجتمع، الأمر الذي يحتم على المجتمع بأكمله مواجهة هذه المشكلة سواء على مستوى الأجهزة الرسمية ومنظمات المجتمع المدني أم حتى على مستوى الأسرة، ولذلك أنا أدعو كافة الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين لمكافحة هذه الآفة كلاً في مجاله ودوره.

** المدمنون.. فقراء وأغنياء
لم يعرف الكثير ممن يتناولون دواء المؤثرات العقلية أنهم أصبحوا مدمنين، وهناك من يتناوله بطريقة غير مباشرة مع مشروبات يصنعها البعض أمام أسواق القات بعد أن يضيف إليها بعض الأدوية التي تصنف ضمن "المؤثرات العقلية".
هذا ما تؤكده مدير البرنامج الوطني للصحة النفسية بوزارة الصحة، الدكتورة ضياء فضل. وهي تشير إلى أن ضحايا المخدرات من الفقراء والأغنياء.
تضيف: "المخدرات يتعاطاها الفقراء والأغنياء على حد سواء، ولكن هناك من لديه القدرة على الحصول على الهروين والحشيش والكبتاجون وهناك من لا يحصل إلا على مشروب يخلط معه الحبوب وتصبح مادة مخدرة، كما في أحد أسواق القات الذي تباع فيه هذه الخلطة المخدرة".

• مغتربون حملوا الإدمان معهم
وتؤكد الطبيبة النفسية أن حالات الإدمان التي تعرفت عليها بين أوساط اليمنيين كانت لمغتربين خارج اليمن يأتون على أساس أنهم مرضى نفسيين. تضيف: "من خلال العلاج نعرف هل الشخص مدمن أم لا؟ فمثلا البعض أخذ الديزبام وصار بعد فترة مدمنا لا يستطيع أن ينام إلا به. والمدمن في الغالب لا يعترف للأطباء بأنه مدمن لأنه يخاف ولكن الأسرة تلحظ الأعراض عليه".
وتشير إلى أن من بين أعراض الإدمان: "العزلة وقلة الكلام مع الآخرين والغياب عن البيت باستمرار".
وتقول الدكتورة ضياء فضل: "المتعاطي لا يريد أن يراه أحد فينطوي ولا يرتاح ولا يفضفض بالحديث إلا لأصحابه، ويبدأ بطلب مصاريف أكثر ويمكن أن يسرق ذهب أمه أو أخته أو يبيع أي شيء. فالمدمن لم يعد شخصا طبيعيا ويقدم على ارتكاب الجرائم. وإذا زرت السجن المركزي بصنعاء ستجد أن الكثير هناك ممن ارتكب جريمة زنا المحارم".
وتعتقد أن "التدخين بوابة الإدمان في أوساط الشباب". وتقول: "على الأسرة أن تتحمل مسؤوليتها تجاه أبنائها قبل فوات الأوان واليوم على الجميع أن يعي خطورة الإدمان على المخدرات".
وتشير إلى أن "الديزبام وغيره من المؤثرات العقلية في الأساس عبارة عن مهدءات ومنومات للمرضى النفسيين وعندما يساء الاستخدام تسبب الإدمان". وتقول: "رغم أن الهيئة العليا للأدوية تكافح سوء الاستخدام لهذه العلاجات الاعتمادية وقد عممت على الصيدليات منع صرف أي علاجات إلا من قبل الطبيب لكن هناك مخاوف من صرف هذه العلاجات من قبل الصيادلة وهناك مخالفات تحصل".
وتستدل حول المراجعات القائمة لمنع هذه الأدوية بالقول: "الكودايين مثلا هو علاج السعلة عند الأطفال منع تداوله بعد أن اكتشفت وزارة الصحة إدمان بعض الأشخاص عليه، حيث كان المدمن يشرب القارورة في البداية ثم لا يشعر بالكيف إلا بشرب خمس قوارير منه". وتضيف: "هناك المدمنون على السبرت".

** 3 ملايين ريال لعلاج المدمن
وتؤكد مدير البرنامج الوطني للصحة النفسية بوزارة الصحة ضرورة "إنشاء مراكز متخصصة لمعالجة المدمنين الحاليين. وأعتقد أن مصر نجحت في هذه المراكز العلاجية".
وتضيف: "في دبي أنشأت الدولة مركزا لعلاج المدمنين وأغلق لأن المدمنين يخافون من الذهاب إليه، فيتعالجوا في مراكز أو مستشفيات خاصة أو يسافروا إلى الخارج ولذا فإننا نعتقد أن قانون المخدرات الحالي غير واضح".
وتقول إن علاج الإدمان يكلف أكثر من 15 ألف دولار، 3 ملايين ريال. والأدوية غالية جدا والمدمن يخضع للعلاج 6 أشهر. وإذا لم يخضع للفترة كاملة فإن الإدمان يعود من جديد".
وترى أن المواد المخدرة يزداد تهريبها أثناء الحروب، "كما حصل في حرب صعدة، لأن التجار يستغلون انشغال الدولة، ومن ناحية أخرى فإن البعض من أطراف الحرب يستخدمها للتخفيف".

• استهلاك بالجملة
أما الدكتورة يمنى الاسودي، عضو مؤسسة صناع الحياة، والتي ذهبت إلى مصر واشتركت مع دكاترة في معالجة المدمنين، فتجزم أن المخدرات انتشرت في أوساط الشباب اليمنيين.
وتقول: "هناك استهلاك للمخدرات في اليمن وهناك خوف من تجاهل المجتمع للمشكلة".
وتضيف: "وصلتني عشر حالات وتطلب المساعدة لكن أعتقد أن عدم اعتراف المدمن اليمني بأنه مدمن يعود لعدة عوامل اجتماعية وأخرى متعلقة بالعقوبات التي قد تطاله بحسب القانون وهنا تصعب المشكلة أكثر".

• المدمن مريض يحتاج للعلاج
تقول الأسودي: "بحسب ما هو متعارف عليه هو أن المدمن أصلا مريض ولكن يستحيل أن يأتي ليقول للطبيب أنه مدمن إلا في حالات متأخرة من الإدمان، وحتى العلاج النفسي للمدمن يبدأ من الاعتراف بأنه مدمن والاعتراف نصف العلاج".
وتضيف: "في الستينيات كان الهروين دواء مسكنا للآلام وعندما اكتشف الأطباء أن له جوانب سلبية منعوه وبحثوا عن مواد أقل أثرا. والكبتاجون المنتشر حاليا بكثرة في دول الخليج وخاصة في السعودية عبارة عن منشط. وفي اليمن بدأ ينتشر مثلا بين سائقي الباصات والشاحنات الذين يسافرون في الخطوط الطويلة وكذا الخياطين أيضا".
وتشير إلى أن بعض اليمنيين مع اغترابهم في السعودية كانوا مدمنين على الكبتاجون، وأنه في اليمن الآن أصبح يتناوله طلبة المدارس والجامعات.
وتضيف: "هناك قصص كثيرة لشباب من تعز والمخاء مدمنين. ففي البدء يكون التعاطي، ولا يأتي الإدمان إلا في المرحلة الأخيرة. كما أن هناك عوامل داخلية وخارجية ونفسية وبيئية إذا اجتمعت لدى الفرد يمكن أن يدمن، وإذا أدمن فإن المخدر يستعبده ويفقده السيطرة، وهناك من يأخذ المخدر وهو قادر على أن يسيطر فما زالت عنده موانع اجتماعية وعلاقات تساعده على السيطرة".
وتؤكد أن الشخص الذي لم يعد لديه قدرة على تحمل واقعه يلجأ إلى المخدرات، "إذا استطاع أن ينام بجرعة 5 جرامات من المخدر في الأسبوع الأول فإنه لن ينام الأسبوع الثاني إلا بعشرة جرامات وسيستمر بمضاعفة الجرعة دون عودة للطبيب حتى يصبح معتمدا عليه، ويحس بأن المخدرات تريحه وتنسيه مشاكله".
وتقول: "هناك أنواع تسبب إدمانا نفسيا وأخرى تسبب إدمانا نفسيا وجسديا. وبعض حالات الإدمان التي شاهدتها أن يحك المدمن جسمه حتى يخرج الدم وبعضهم يخبط رأسه عرض الجدار ولكنه يستمر في تناول المخدر وهذا يسمى الاستخدام رغم العواقب المؤذية".
وتضيف الأسودي: "أعرف شابا تطرده أمه من البيت مرارا بسبب تناول المخدرات ومع ذلك يستمر يتناولها ولا يخاف العاقبة فالمدمن في الغالب يكون في إطار شلة فاسدة، وسلوك المدمن غالبا منحرف، يضيع وقته في البحث عن المخدرات من مكان إلى آخر ومن صيدلية إلى أخرى أو يبحث عنها من أصحابه وتأخذه المخدرات من حياته الاجتماعية، لا يحضر مثلا حفلة أخيه أو وفاة أمه... وسريعا ما ينخرط في العصابات ويرتكب أبشع الجرائم".
وتؤكد أن معظم المدمنين للمخدرات الذين التقتهم قاموا بجريمة زنا المحارم والسرقات، "لأن المخدرات تذهب العقل وأعراضها الانسحابية أشد من الأعراض الانسحابية للخمر، فمدمن المخدرات يكتشف بسرعة وفي خمس سنوات تظهر الأعراض".
وتشير إلى أن يمنيا من صعدة أدمن المخدرات بعد أن كان يهربها فقط. وتقول: "في البداية كان يهرب المخدرات إلى السعودية وبدأ يتعاطى المخدرات وأصبح الآن مدمنا عليها وقد تسبب له الإدمان في تغيير واقعه. وإذا كان مثل هذا مدمنا فإن العلاج في مصر مكلف جدا ففي الشهر الواحد يكلف العلاج 3 آلاف جنيه ويستمر حتى يشفى 6 أشهر وسيحتاج 18 ألف جنيه أي بما يعادل 16 ألف دولار فضلا عن بدل السفر ولذلك فإننا مع إنشاء مركز لعلاج هؤلاء المدمنين في اليمن".
وتلاحظ الأسودي دائما أن أغلب المدمنين "عندهم مشاكل أسرية واجتماعية". وتقول: "الإدمان يأتي عن طريق المعاناة الأسرية أو الثراء، فالحشيش مثلا ينتشر بين طلبة المدارس المصرية وهناك الهروين يسمى ملك المخدرات وفي لبنان تنتشر حبوب الكودايين وشلل شباب المخدرات هناك مرتبطون بفساد أخلاقي وأغلبهم مصاب بالايدز والكبد البائي، كون حقنة الهروين تنتقل بين مجموعة مدمنين".
وتشير إلى أنواع من الإدمان تنتشر بين أطفال الشوارع، "هناك من يستخدم مواد مخدرة مثل البترول والتينار والصمغ يضعه داخل قطعة أسفنج ويظل يشمها بين حين وآخر وهذه المواد الطيارة تسبب تلفا في الدماغ وهذا الأمر بدأ ينتشرا بين أطفال الشوارع".
وتقول: "بشكل عام فإن المخدرات تتسبب في أضرار للشخص المدمن وغالبا ما يصاب بالأورام السرطانية ويكون عرضة للعقم والايدز والكبد البائي وأي مدمن يعاني من الاكتئاب الذي يؤدي أحيانا إلى الانتحار لأن الدماغ يتأثر بفعل المخدرات، والجرعة الزائدة تسبب الوفاة".

** سجناء المخدرات.. ضحايا وخطرون
يعتقد الخبراء أن من يتم ضبطهم في قضايا المخدرات لا يصل نسبتهم إلى 20 بالمائة من الذين يعملون في ترويج وبيع واستخدام المخدرات.

• صفقات داخل السجن
يورد هنا رئيس مصلحة السجون اليمنية، العميد علي ناصر لخشع، حادثة تدلل على خطورة السجناء الموقوفين في تهم ذات ارتباط بالمخدرات. يقول: "دخل أحد الضباط إلى حجرة فيها سجناء المخدرات وإذا بأحد السجناء يصرخ ويبكي ويطلب من الضابط أن يعطيه هاتفه ليتواصل مع أمه المريضة ويطمئن عليها. وقد رتب هذا السجين مع زملائه الآخرين وعندما بدأ بالاتصال أدخلوه في حديث جانبي. وتمكن هذا السجين خلال الاتصال من عقد صفقة بيع وشراء بهاتف الضابط. وعند معرفة الحادثة من خلال مراقبة هاتف الطرف الآخر في إحدى الدول وأبلغتنا عن تلقيه اتصال من رقم معين قمنا بالبحث عن صاحب الرقم وإذا به رقم أحد ضباط السجن".
وحسب معلومات من السجن الذي كان يعمل فيه هذا الضابط فإنه تم تجريده من رتبته وتسريحه ومعاقبته.
ولا يمل تجار المخدرات في السجن من البحث عن وسيلة اتصال مع عصاباتهم. فقد تمكن أحدهم من إدخال 5 تلفونات إلى داخل أحد السجون وسط أحذية. كما أنه ورغم التفتيش الدقيق إلا أنهم يحصلون على الحبوب المخدرة، وبالذات ما تسمى "المؤثرات العقلية" بأسعار مضاعفة. ويتفاخر السجناء بطرق مبتكرة تدخل خلالها تلك الحبوب فالبعض يدخلها في المواد الغذائية كالعصيرات المغلفة أو وسط كيك وخبز أو بين الفرش والبطانيات والملابس. وقد تم مصادرة الكثير منها.

• مجرمون وضحايا.. تجمعهم المصاهرة
ومن الظواهر المعروفة أن المتعاطين للحبوب المخدرة يتحولون داخل السجن إلى سرق "نشالين".
ومن أهم المعوقات أن السجناء اليمنيين يجلسون مع السجناء الأجانب من تجار المخدرات. وهناك سجين يمني ظل مرتبطا ومصادقا لتاجر المخدرات الباكستاني "ب. خ. ف" والذي صدر في حقه حكم الإعدام.
في السجن يحدثونك عن علاقات مصاهرة بين يمنيين وباكستانيين ربطتهم قبل المصاهرة تجارة المخدرات، ويحدثونك عن السوريين والسعوديين والإيرانيين كأنهم أبناء قرية واحدة.
في السجن أيضا تجد من يحكي رحلته مع المخدرات بحزن وأسى. "ع. ع. ح" يقضي السنة الرابعة في السجن المركزي بصنعاء لتعاطيه الحشيش. دخل السجن مخلفا 15 فردا هم زوجته وأطفاله. هو في الخمسينات من عمره يعاني من مرض في القلب، اغترب في السعودية وهو في العشرينات وهناك كانت البداية مع الحشيش. يقول: "قبل سنوات وجد رجال البحث الجنائي بصنعاء كمية من الحشيش البلدي (الأخضر) على سيارتي الأجرة وصدر علي حكم قضائي بالسجن خمس سنوات".
ويتحدث السجناء عن تقديم تجار المخدرات بلاغات ضد البعض، ومن ثم يستغل انشغال الجهات بمتابعة السيارة المبلغ بها فيمرر كمية أخرى كبيرة.
"ع. ع" شاب ثلاثيني من محافظة صعدة يمتاز بوسامة وطلاقة في اللسان، يقول: "أحد تجار المخدرات من صعدة طلب مني إيصال السيارة إلى حرض مقابل 2000 ريال سعودي ووافقت ولم أكن على علم بأن كمية من المخدرات قد خبئت في مكان ما. اصطحبت وزوجتي لإيصال ما حملت به وبعدها أذهب الحديدة لأقضي مع عائلتي بعض الأيام. لكن ما حصل هو أن السيارة عليها بلاغ وما إن وصلت مدخل حرض إلا وأوقفني عساكر النقطة وأخرجوا المخدرات وأودعوني وزوجتي السجن.
"م. ح" محكوم عليه بالسجن 25 سنة لم يقض منها إلا القليل. عمره الآن 30 عاما من مواليد السعودية التي عاد منها قبل سنوات قليلة ليتزوج ويستقر في اليمن. لم يمض على الزواج سوى سنة ونصف وكان مصيره السجن.
يقول: "كنت في شارع مأرب بصنعاء ومعي كيس به كيلو من الحشيش المضغوط وفوجئت برجال الأمن وهم يعتقلونني وحكمت المحكمة بالسجن 25 سنة وهذا عمر بحاله، وأعترف أني كنت أتعاطى الحشيش في السعودية منذ أن كان عمري 15 سنة".
"ع. ت" من مواليد الكويت وعمره يتجاوز الأربعين أتى اليمن قبل سنوات ووضعه المادي ميسور ليتعرف على أصدقاء محششين فتعلم منهم. يقول: "أول مرة لف لي أحدهم الحشيش كالسيجارة وأعجبني وصرت أتعاطاه".
في السجن تبدو حالة المدمنين على المخدرات مأساوية، وتظهر أجسادهم مخدشة فمنهم من يتشنج وإذا وجد آلة حادة فإنه يخدش جسمه ويقطع أوردته ويسيل الدم ويصرخ ويتقلب ولا يهدأ. وقد أقدم أحدهم مؤخرا على تكسير المصباح ليستخرج منه الأمواس الحادة ويقطع جسمه. كما أن أحدهم يقول إن زميله "ع. ع" أعدم قبل فترة لقتله ممرضة رفضت إعطاءه حقنة مخدرة فهشم رأسها.

• سجناء بالجملة في سجن مختلط
تشير إحصائيات الإدارة العامة للسجون إلى أن الموقوفين حاليا على ذمة حيازة أو استخدام المخدرات أو الحشيش يصل عددهم إلى 350 شخصا، منهم 305 سجناء في تهمة حيازة مخدرات وحشيش بينهم 100 أجنبي، وهناك 41 سجينا منهم 3 أجانب لتعاطيهم مخدرات أو حشيش.
ويأتي السجن المركزي بصنعاء في مقدمة السجون المستضيفة لهؤلاء النوع من المساجين حيث يصل عددهم إلى 140 سجينا بينهم 61 تاجرا يمنيا و67 تاجرا أجنبيا و12 فقط متعاطيا.
وفي سجن حجة يصل عددهم إلى 41 سجينا كلهم يمنيون، وفي سجن المهرة 36 سجينا منهم 26 تاجرا يمنيا و10 من التجار الأجانب، وفي سجن الحديدة 34 سجينا منهم 22 تاجرا يمنيا وواحد أجنبي و11متعاطيا، وفي سجن صعدة 27 تاجرا يمنيا وواحد أجنبي، وفي سجن عدن 17 تاجرا يمنيا و3 أجانب و6 متعاطين، وفي سجن المكلا 14 تاجرا يمنيا و11 متعاطيا، وفي سجن شبوة 5 سجناء، وفي سجن إب 4 سجناء، وفي سجن سيئون بحضرموت 3 سجناء، ومثلهم في مأرب، وواحد في رداع بالبيضاء. ويعد السجناء في تهم المخدرات أخطر أنواع السجناء.

• مجرمون جريئون
العقيد مطهر علي ناجي، مدير السجن المركزي بصنعاء، الذي يوجد فيه أكبر عدد من سجناء المخدرات، يقول: "تعاني إدارة السجن المركزي أكثر من السجناء السعوديين والكويتيين لأنهم خطرون جدا فقد حاولوا إدخال خمسة تلفونات إلى داخل السجن للتواصل مع بعض من لم يضبطوا في قضاياهم أو مع بعض مروجي المخدرات في العالم وضبطت تلك الأجهزة ورغم الحذر منهم والتفتيش الدقيق لما يدخل إليهم إلا أنهم أكثر جرأة وتحدٍّ".
ويؤكد تفاقم مشكلة المخدرات في اليمن: "عندما عينت مديرا للسجن المركزي بصنعاء كان عدد السجناء في قضايا الاتجار في المخدرات وتعاطيها لا يزيدون عن 6 أشخاص واليوم يزيد عددهم عن 200 شخص وفيهم مجموعة كبيرة من باكستان وإيران والسعودية والكويت".
ويضيف: "للأسف هناك تساهل في مواجهة المشكلة ونحن في السجن المركزي نحس بخطر المخدرات لأننا نحتك بالسجناء في قضاياها ونعاني من عدم وجود زنازن خاصة بالأجانب الذين يمتلكون خبرات كبيرة في مجال المخدرات، لأن اليمنيين سيستفيدون من خبراتهم ويساعدهم الاختلاط في السجون على التعرف على بعض وقد يشكلون عصابات أخرى بعد خروجهم من السجون".
ويقول: "أيضا المتعاطون للمخدرات داخل السجن يحاولون الحصول على المخدرات بكل الوسائل لتعاطيها في السجن وقد ضبطنا الكثير من المخدرات مثل الديزبام والبلتن والفاليوم وأخرى والتي حاول بعض الزوار إدخالها ويفترض على وزارة الصحة وهي عضو اللجنة العليا للسجون أن تعمل على إنشاء مركز لعلاج المدمنين مجهز بأحدث الأجهزة ومزود بأطباء نفسيين متخصصين ومختصين اجتماعيين وعلى أن يكون المركز شبه سجن مزود بحراسات أمنية مشددة".

• سجون تحتاج لكادر مؤهل
رئيس مصلحة السجون اليمنية، العميد علي ناصر لخشع، يرى أن التعامل مع سجناء المخدرات تحتاج إلى كادر مدرب ومؤهل. ويضيف: "بحكم أن المخدرات جديدة على اليمن فنحن بحاجة إلى سياسات جديدة مناسبة لمواجهتها ونحتاج إلى تدريب وتأهيل القوى التي تعمل على مكافحتها وتحتك بعناصرها".
ويشير إلى أن الخطر هو "العدوى التي تنتقل إلى أجهزة الدولة من تجار المخدرات ومتعاطوها". ويقول: "علينا حماية الجنود والضباط والأفراد الذين يحتكون بتجار المخدرات داخل السجن، والذين يملكون الفلوس ويستطيعون فعل الكثير".
ويؤكد أن هذه الفئة من التجار "لا تعرف اليأس، ونحن نعتبرهم أخطر فئة داخل السجون وقد ضبط زوار لتجار المخدرات أو لمدمنين وهم يحاولون التواصل والتنسيق لإدخال المخدرات إلى السجون أو عقد صفقات بأغرب طرق التخفي".
ويقول العميد لخشع إن "أهم المشاكل التي تواجهنا في السجون انه لا توجد سجون خاصة لهؤلاء الأشخاص المتعاطين والمتاجرين في المخدرات، فإذا اجتمع التاجر والمتعاطي في السجن ستبدأ المتاجرة والترويج".
ويضيف: "عدم القدرة على التصنيف والعزل في السجون مشكلة في بعض الدول، فتجد تاجر المخدرات في الغرفة رقم 10 والمتعاطي في الغرفة رقم 12 وبالتالي يتم اللقاء بينهما ويسهل التعاطي داخل السجون وعقد بعض صفقات البيع أيضا خارج السجن".
ويشير إلى أنه في اليمن "لا يوجد مركز أو سجن خاص بتلك الفئات. نحن نعاني في مصلحة السجون من عدم وجود مراكز ونطالب بجهد جماعي من وزارات الصحة والداخلية والشؤون الاجتماعية في تأسيس مركز خاص يعالج المدمنين ويحبس المدمنين وهو شبه سجن لأنك لا تستطيع أن تضع المدمنين في مركز مفتوح، ستدخل لهم المواد المخدرة ".
ويضيف: "أعتقد أن وزارة الصحة معنية بإنشاء ولو مركز واحد لمعالجة المدمنين في العاصمة ويعد له الأعداد الجيد ويقوم عليه أطباء نفسيون متخصصون ومن ثم يستقطب حالات الإدمان".

• سجون تجمع المخدرات والايدز
كما أن هذا المسؤول الأمني يكشف عن عدم وجود "حلول للسجناء المصابين بالايدز. فالايدز وليد المخدرات".
ويشير أيضا إلى أن "العادات والتقاليد المجتمعية اليمنية تحول دون اعتراف المدمن بأنه مدمن".
ويقول رئيس مصلحة السجون: "نحن حاليا نقوم بتوعية السجناء المدمنين من أخطار الإدمان وتقدم السجون برامج تربوية وتوعوية وإرشادية وتقييمهم نفسيا وأخلاقيا ويعطيهم المرشدون الحيز الكبير من بين السجناء الآخرين وقد ألحق الكثير منهم بدراسة وتحفيظ القرآن الكريم وبالنسبة لصغار السن منهم يتم الدفع بهم لإكمال دراستهم، وحتى الآن لا يوجد لدينا مؤشر على أن أحد المتعاطين للمخدرات قد سجن لدينا وعاد مرة أخرى".
ويؤكد العميد لخشع أن المدمن داخل السجن يعتدي على كل من هم حوله. ويقول: "أغلب السجناء المدمنين هم في سجون حجة وصعدة، لأن هاتين المحافظتين حدوديتان ويتأثر السكان فيهما بمرور المخدرات من مناطقهم، منهم من ينقل المخدرات عبر وسائل النقل إلى دول الجوار والبعض منهم يتساءل ما هي هذه المادة التي تباع بالملايين؟ ومن هنا يبدأ التعاطي".
ويضيف: "المخدرات المصنعة مثل الهروين أو الكودايين يصعب الاستغناء عنها إذا بدأ التعاطي لها ولو لمرة واحدة إلا عن طريق طبيب متخصص".
ويشير إلى أن هناك "من يستخدم المواد المخدرة المستخدمة في الطب مثل الديزبام، وبسبب الوعي المتدني فإن البعض يتعاطى هذه الأدوية المخدرة دون الحاجة لها، يأخذ الحبة الأولى من الديزبام فتهدئه ويأخذ الثانية فيبدأ التفاعل ويأخذ الثالثة فيفقد الوعي وقد يرتكب أي جريمة وهو لا يدري، ويصبح مثل هؤلاء مرضى ولا نجد نحن في السجون إلا إحالتهم إلى المصحات المتواضعة داخل السجون بسبب عدم وجود مصحات لمعالجتهم خارج السجون".
ويعتقد أن قانون المخدرات لعام 93 "تضمن عقوبات رادعة وقد صدرت أحكام إعدام وسجن لكثيرين تصل إلى 25 سنة". لكنه يقول مستدركا: "يجب أن تتبعه آليات أخرى فمن يتم ضبطهم في نظرنا ونظرة المتخصصين في علم الضبط الجنائي لا يمثلون نسبة 20 بالمائة".
ويؤكد أن التعاطي بحد ذاته جريمة جسيمة. "أغلب المتعاطين للمخدرات يأتون إلى السجون بجريمتين مع بعض، جريمة التعاطي وجريمة الاعتداء على الآخرين لأن المتعاطي للمخدرات يفقد السيطرة على النفس وأكثر من 80 بالمائة ممن يضبطوا في حالة عدم توازن يضبطوا في جريمتين وحينها يقضي منهم البعض 5 سنوات سجن والبعض 10 سنوات والبعض يعدم خاصة إذا ارتكب جريمة التعاطي والقتل".

• تجار المخدرات يتجنبون التعاطي
وفيما يتعلق بالتعاطي مقارنة بالعبور يقول: "تعاطي المخدرات في اليمن ما زال قليلا ولكنه ذو أثر بالغ وخطير جدا، فالمشكلة تكمن في أن المخدرات جديدة ولم نعد لها العدة حيث لم تكن السياسات السابقة قد اتخذت إجراءات للتعامل معها، ومن خلال تجارب دول الخليج وبلاد المغرب العربي فهناك مخاوف من أن تتحول السجون إذا لم تكن معدة الإعداد الجيد إلى مكان لتكاثر هذه المشكلة".
ويشير المسؤول الأمني إلى شيء غريب لدى تجار المخدرات فهو يقول: "هؤلاء نادرا ما يتعاطون المخدرات لأنهم حريصون على الأموال والمدمن عادة لا يعي ماذا يعمل، وكيف سيضبط عملياته الحسابية والمالية".
ويضيف: "يسلك تجار المخدرات سلوكا آخر حيث تظهر عليه علامات البذخ، فيرتادون الفنادق الكبيرة ويحضرون السهرات، وهؤلاء التجار جاذبون للشباب بمظاهرهم، ولذا يسعى البعض من الشباب إلى الدخول معهم خصوصا وأن الثراء يكون سريعا، وبلادنا مهددة من المخدرات لأنها في موقع بين الهلال الذهبي الذي ينتج المخدرات وبجوار بلدان النفط الغنية التي تستهلك إضافة السواحل اليمنية الكبيرة والمفتوحة".

** جرائم المخدرات.. تزوير وقتل ودعارة
الدكتور مصعب الصوفي، نائب مدير عام مكافحة المخدرات

انتشار المخدرات في أي مجتمع إنساني يكون له من غير أدنى شك مترتبات سلبية تنعكس على مختلف مناحي الحياة في المجتمع وبشكل خاص الجانب الأمني، وأبرز صوره ارتباط انتشار المخدرات بالجريمة، وأصبح هناك مصطلح كثيراً ما يتداول وهو مصطلح "جرائم المخدرات"، ويستوجب القول أن تعاطي المخدرات قد يشجع على الجريمة وقد يكون العكس أي أن ارتكاب الجريمة قد يكون دافعا لتعاطي المخدرات.
جرائم المخدرات في معناها المباشر تعني جملة الأفعال التي جرمها القانون المتصلة بالمخدرات ورتب عليها عقوبات.
ولكن يوجد معنى لجرائم المخدرات أكثر شمولية ويتجاوز هذا المعنى المفهوم القانوني ليشمل كل الجرائم التي ترتكب ويكون العامل المشترك لها هي المخدرات وهذه الجرائم لها أشكال وأنماط مختلفة إضافة إلى المفهوم القانوني لجرائم المخدرات.
ولبيان ذلك سأتناول أربعة أنواع من جرائم المخدرات على النحو التالي:
أولاً: المفهوم القانوني لجريمة المخدرات:
نظراً لعدم تحديد قانون المخدرات اليمنية رقم 3 لعام 1993 مفهوم لجريمة المخدرات فإنني سأجتهد لإيجاد مفهوم تقريبي لجرائم المخدرات.
تأسيسا على المبدأ القانوني العام القائل: "لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون"، فإن جريمة المخدرات هي ارتكاب فعل من الأفعال المتصلة بالمخدرات المجرمة قانوناً بقصد إلحاق الضرر بالإنسان والمجتمع ويرتب عليها عقوبة.
والتهريب للمخدرات والزراعة والإنتاج والصناعة والنقل والبيع والشراء للمواد المخدرة وتعاطيها وترويجها والمتاجرة بها والاستعمال الشخصي لها... إلى آخره. لمزيد من الإطلاع على هذه الجرائم يمكن العودة للقانون رقم 3 لعام 1993 بشأن مكافحة الاتجار والاستعمال غير المشروعين للمخدرات والمؤثرات العقلية. 

ثانياً: الجرائم المرتكبة تحت تأثير تعاطي المخدرات:
تعاطي المخدرات بكل أنواعها يترك أثرا سلبية على عقل متعاطيها ونفسيته مما ينعكس على سلوكه وتصرفاته مع نفسه ومع الآخرين.
هذه التصرفات السيئة تدل على أن هذا الشخص فاقد للسيطرة على نفسه ولا يدرك في أحيان كثيرة تبعات هذا السلوك.
ومن هنا فإن متعاطي المخدرات يكون إما مصدراً لارتكاب جريمة أي فاعل وإما ضحية لجرائم الآخرين عليه.
ومن أمثلة ذلك: متعاطي المخدرات الذي يكون مصدرا للخطورة، أي مرتكبا للجريمة، نتيجة للتفاعل بين المخدرات التي تم تعاطيها والحالة النفسية للمتعاطي فإنه ينشأ سلوك عدواني قد يكون بحق نفسه أو أسرته أو أشخاص آخرين قد لا يعرفونه وبسب تواجدهم في المكان والزمان الخطأ يكونون عرضة للاعتداء من قبل متعاطي المخدرات كالاعتداء بالضرب أو الاغتصاب أو حتى القتل.
أما من جهة كون متعاطي المخدرات قد يكون ضحية لجرائم الآخرين المرتكبة ضده مثل أن يُعتدى عليه بأي طريقة أو وسيلة والأكثر شيوعاً الاعتداء الجنسي سواء للرجال أم للنساء ممن يتعاطون المخدرات وغيرها من الجرائم وحتى القتل منها. 

ثالثاً: الجرائم المرتكبة ذات الصلة بالمخدرات:

هذا النوع من الجرائم عادة لا يرتكب من قبل أشخاص وهم تحت تأثير تعاطي المخدرات مباشرة ولكنه يرتكب من قبل أشخاص متعاطين للمخدرات وبالأخص من المدمنين عليها. بمعنى آخر: مرتكبو هذه الجرائم يكونون تحت التأثير الانسحابي للمخدرات وهذا التأثير الانسحابي يكون له الأثر المباشر على سلوكيات متعاطي المخدرات بشكل سلبي وبالتالي وتحت الحاجة للحصول على مبلغ من المال لشراء جرعة المخدرات تلغى من تفكيره كل حواجز القيم والأخلاق ناهيك عن الخوف من ارتكاب جريمة قد يدفع ثمنها سنوات من عمره في السجن وفقدان حياته سواء بحكم القانون من خلال إنزال عقوبة الإعدام في حالة ارتكاب جريمة قتل أم بحكم الانتقام من وقع عليهم الاعتداء.
من أبرز السلوكيات الإجرامية على سبيل المثال وليس الحصر التي يمكن رصدها:
السرقة:
السرقة هنا قد تكون من داخل بيته (أي في إطار الأسرة) لبعض الأشياء التي يمكن أخذها باليد وبشكل قد لا يلاحظه أفراد الأسرة ويقوم ببيعها بسعر زهيد وهذا النوع من السرقات عادة لا تبلغ عنها الأسرة خوفاً من الفضيحة.
وقد تكون السرقة من الشوارع وخاصة الأماكن المزدحمة أو دخول بيوت الغير لسرقتها وهنا تكون نهايته السجن مهما نجح في الهروب في أكثر من مرة. 
ترويج المخدرات:
في هذه الحالة يتحول الشخص المتعاطي للمخدرات تحت وطأة الحاجة للمخدرات إلى مروج عند تاجر المخدرات مقابل الحصول على جرعة من المخدرات وهذا الفعل عقوبته مشددة في القانون اليمني لمكافحة المخدرات.
العمل في الدعارة:
وهنا الفئة الأكثر عرضة لمثل هذا الفعل المشين هن الفتيات التي تم جذبهن إلى تعاطي المخدرات ونتيجة لذلك يتم إرغامهن على بيع أجسادهن لمن يمدهن بالمخدرات أو يتحولن إلى بضاعة يتم بيعها للآخرين من قبل تجار المخدرات.
الديوث:
وهو الشخص الذي يقبل على أهله الرذيلة فيقوم بعرض أخته أو زوجته لمن يمكن له أن يدفع المال أو لمن لديه المخدرات لأن همه الأساسي هو الحصول على المخدرات.
القتل:
قد يظن البعض أني قد بالغت بعض الشيء في ذلك ولكنني سأكتفي هنا بحادثة حصلت بالفعل. صديقان تربيا مع بعضهما، أحدهما تورط في تعاطي المخدرات وتمادى فيها وفي أحد الأيام لم يحصل على مال لشراء جرعة المخدرات فذهب إلى منزل صديقه فوجد أمه لوحدها في البيت وهو في حالة مزرية فطلب من أم صديقه المال لشراء جرعة من المخدرات فرفضت الأم إعطاءه المال فقام بالاعتداء عليها وضربها حتى الموت وبعدها أخذ المال وهو لا يدرك خطورة فعله وذهب لشراء الجريمة.
قد يكون هذا النوع من الجرائم نادرا، ولكننا لا يمكن لنا تجاهله وسبب ذلك يعود إلى صعوبة التنبؤ بسلوكيات هذه الفئة.
رابعاً: الجرائم المرتكبة على ارضية المخدرات:
هذا النوع من الجرائم يعتبر الأخطر مقارنة مع ما سبق استعراضه، وذلك لكون حجم الضرر يكون أوسع وهي شديدة الخطر على المجتمع من حيث كون قدر مجموعة من الناس ليس لها علاقة بالمتاجرة بالمخدرات أو تعاطيها أن تعيش وسط الخوف ممن لهم علاقة بالمخدرات وخاصة في المناطق التي يكثر فيها الاتجار بالمخدرات وتعاطيها.
لتوضيح الصورة أكثر في هذا الجانب، يستوجب القول إن النشاط الإجرامي المتصل بالمخدرات هو نشاط منظم وتقوم به جماعات اختارت لنفسها هذا النوع من النشاط غير القانوني للكسب السريع غير مبالين بما قد يترتب عليهم أنفسهم وعلى أسرهم ومجتمعهم ومن أبرز الصور لهذا النوع من الجرائم:
 الصراع على مناطق النفوذ ونتيجة لخطورة النشاط الإجرامي المتصل بالمخدرات من ناحية ومن ناحية ثانية للمحافظة على سريته فإن أغلب هذه الجماعات يكون تأسيسها قائما على أساس أثني (اسري أو عرقي) وهذه الجماعة تكون لنفسها منطقة نفوذ تحظر على الآخرين مزاولة أنشطتهم الإجرامية المتصلة بالمخدرات فيها وإذا حصل مثل هذا التجاوز من قبل آخرين فإنه تنشب معارك وقتال أو بشكل أقل تتم عملية التصفية الجسدية للمنافسين أو إلحاق أضرار بالغة بالممتلكات وهي الأفعال التي تصنف ضمن الجرائم المعاقب عليها قانوناً، الأمر الذي يتطلب في الأخير تنسيق هذه الأنشطة الإجرامية بين هذه العصابات.
 استغلال الآخرين في المتاجرة بالمخدرات فتجار المخدرات مثلهم مثل أي تاجر آخر مع الفرق في كون الثاني يزاول نشاطه بشكل قانوني وبضاعته مفيدة للمجتمع بينما الأول نشاطه إجرامي يلحق الضرر بالمجتمع.
فتاجر المخدرات يحتاج لمن يقوم بعملية توزيع لبضاعته وأكثر الفئات استهدافاً من قبل تجار المخدرات هم الشباب والأحداث.
ففي دراسة نشرت تفيد بأن الأطفال الذين يتم جلبهم إلى هذا النشاط يعملون كباعة أو مروجين للمخدرات وفي أحيان غير نادرة يستخدمون كمهربين للمخدرات وأنهم بالتالي يكونون عرضة للاستغلال من قبل هؤلاء التجار وقد يصل الأمر حد القتل إذا اتضح أنهم عرفوا أو أصبحوا يعرفون أشياء لا يجب عليهم أن يعرفوها لأنهم بذلك أصبحوا يشكلون خطرا على من يعملون لديهم

أضف تعليق