الخميس, 03 تموز/يوليو 2014   5. رمضان 1435

  

Twitter


   


................
في خيمة الزعيم القذافي التي نصبت أعمدتها في مدينة اغاديس بدولة النيجر في إفريقيا تعرفت على عدد من زعماء الطوارق .. الألوف من الطوارق في الخيمة ملثمين لا ترى إلا أعينهم  .. دخلوا دون أن يطلب منهم حراس القذافي كشف وجوههم ..لا شيء يثبت هوياتهم لا بطائق ، لا جوازات ولا شيء من هذا . كل ما يعرف عنهم هو أنهم طوارق .. لا قمصان خفيفة ولا بنطال ولا كرفته ..
عمامة الطارقي كهودج جمل على رأسه وليست على سنام جمل .. جثثهم ضخمة ...ولو دخلت في قميص الطارقي ستضيع لأنك لا تساوي شيء منه .. والعمامة الواحدة تكفن خمسة أشخاص من أمثالي ، أما الصباغ الذي يلون قمصانهم وعمائمهم فانه أشبه بالحبر ... رائحته لم تبارح أصابعي رغم غسلها مرات بالماء والتراب ...
كانوا يتصافحون بحرارة وهم في يتقابلون بالعيون في بوابة الخيمة وتتعالى أصواتهم بالترحيب لبعضهم البعض ، تتصافح الكفوف وتتلاقى الأنوف .وعلى ظهور الجمال تراهم و يضعون رجل على رجل كأنهم يركبون أفخم سيارات اللكزز.


................................................................................ 
الطوارق في الوقت الحاضر متواجدون في خمس دول افريقية متاخمة للصحراء الكبرى هي ليبيا والجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر ..
وبحسب اعتقادهم فإنهم دخلوا إفريقيا منذ خمسة آلاف سنة وعاشوا فيها حتى اليوم .ويقول الطوارق أن أصولهم من اليمن.
ويقولون أنهم نزحوا إلى واد يسمى تارجا وهو ممتد في الصحراء الإفريقية ويزيد طوله عن ألفين كم وفي هذا الوادي سكنت القبائل العربية النازحة وكان يسمى من فيه طوارق نسبة إلى الوادي .
رغم الظروف والعوامل التي جزئت أوصال الوادي في خمس دول افريقية فلقد ظلت القبائل النازحة على اتصال مع بعضها منذ عام 1600قبل الميلاد وكأن الطوارق عائلة واحدة حتى اليوم ..
في 1960م بدأت الحدود بين الطوارق وفق منظور الاستعمار الفرنسي الذي جزا المنطقة إلى دول وأرسى حدودا مصطنعة يرفضها الطوارق .... العائلة الواحدة ..ولكن الاستعمار الفرنسي الذي دخل إفريقيا في 1918م وخرج في 1960م لم يخرج إلا وقد أرسى الحدود الفاصلة بين الإخوة ..
اثر الاستعمار تأثيرا بالغا على حياة الطوارق على حياة المجتمع الواحد كما قال كثير من زعماء الطوارق .وانعكست الحدود سلبا وأضرت بالارتباط الاجتماعي بين الطوارق .....وبدلا من المشيخة الكبرى للطوارق تجتمع تحتها عدة مشيخات جاء الفرنسيين وكسروا لهرم الكبير للمشيخة التي تقود القبائل واوجدوا قوانين لمنع المشيخة ... صار الطوارق أقلية من وجهة نظر البعض .
جاءت الدول بعد خروج الفرنسيين فورثت الأرض التي يملكها الطوارق وبقت على الحدود والحواجز التي اصطنعت لتكسر المشيخة والروابط بين الطوارق .. الطوارق الذين يملكون القدرة العالية على القتال .. الطوارق الأكثر تحملا لمشاق الصحراء ومصائبها .
الطوارق توأم الصحراء حيث لا شي سوى الشمس الحارقة والريح ومعهم تعاني الجمال المصدر الرئيس للحياة .. تنقلهم وتقل على ظهرها السلع التي تجلب ...
يقول احد ابرز رجال الطوارق وهو الطارقي/ محمد الأمين فال (96307896سيار أو مالي 5265813)  "أن أصلهم حميري والعلماء والمؤرخين والشعراء ينسبون أنفسهم في قصائدهم وكتبهم إلى حمير اليمن" . ومحمد فال احد أبناء علماء الطوارق وتعلم الفقه عن أبيه ..
ويقول أن اللغة والعادات شاهد على أن أصولهم من اليمن  فكثير من الناس تسمي غربهم قبله مثلما كان اليمنيون يتجهون إلى القبلة غربا .. والطوارق كاليمنيون في بساطة الحوار فيما بينهم وفي العلاقات الاجتماعية التي يقيمونها وحتى دميته لا تفرق كثيرا ..
حتى أن تسميات الكثير من الأشياء تتشابه .. شجرة تورجا توجد هناك وهي شجرة يخرج من ورقها المقوى حليب ابيض وتتواجد في اليمن .وهناك من الجمال ما يسمى مهري وربما له علاقة بالمهرة إحدى المحافظات اليمنية كما ذكروا ذلك ..
حوالي 4 مليون طارقي يعيشون في خمس دول افريقية ويجمعهم الأصل والصحراء ..
لا حياة للطارقي إلا بالإبل .. مصدر العيش الوحيد منها الحليب واللحم وعلى ظهرها يتنقل الطوارق وحاجاتهم في الصحراء التي لا زالت تحافظ على طابعها الشاق منذ الأزل ..لا خيول عند الطوارق ولكن الأغنام المصدر الثاني للحياة .
وليس كل طارقي يملك الإبل ولكن كبار العائلة يملكون مئات الإبل وليس العشرات .
عندما يصافح الطارقي أخاه عليك أن تتأكد انه لم يبقى بينهما شيء بعد اقتتال أو شجار .. ولا يمد الطارقي يده للأخر إذا كان هناك شيء في النفس . وتتولى المراءاة الطارقية  بنت الشيخ أو العائلة الكبيرة حل الخلافات بين أبناء الطوارق ..
يستحي الرجل أيا كان دوره في المجتمع أو مكانته أن  يرفض للمراءاة مبدأ الصلح مع الأخر إذا بادرت هي بطلب الصلح ..
الطوارق يرون أن المرأة أمهم و أختهم التي يشفقون عليها فلا يرفضون لها طلب ولذلك فإنها خلقت أواصر قوية بين الطوارق . و المرأة لا تشتغل ولا تسافر ولا تتاجر ومالها لا يمس وما تحصل عليه من أبوها أو أخوها.. ومهرها لا يمس أيضا .. يصل مهر الطارقية إلى أربع نياق كأعلى حد ومن يطلب مهرا لابنته خمس نياق وأكثر فانه بطلبه ذلك يعلن رفضه للمتقدم للزواج منها .ويصل سعر الناقة الواحدة إلى 500 دولار أمريكي ..
وإذا وافق على الزواج ويحين العرس يأتي العروس ببقرة يتم عقرها من رجليها الأخيرتين بالسيف وتسمى العرقوبة .. يترك للخادم إكمال ذبح العرقوبة ..ولا يلقي الطوارق للحديث عن فض بكارة الفتاة الطارقية أي اهتمام ويعد الخوض في ذلك فضيحة ..
ويأتي عشرة من أقارب العريس ضيوف على أهل العروس ويغطي العريس الطارقي وجهه عند الزواج سبعة أيام قبل وبعد العرس .
لا يرى فم الطارقي بعد الثامنة عشرة
ويرتدي الطارقي زيا معروفا لكن الغريب هو اللثام الذي يطبقه على رأسه ووجهه بعمامة ولا يرى منه إلا عينيه فيما تكشف النساء وجوهها وتغطي رأسها بقماش معروف ..
 
الطارقي لا يرى فمه بعد أن يبلغ عمره الثامنة عشر عام وحتى يشيع جثمانه إلى القبر ..
يقول الطارقي إن كنت تحبني فاترك لي عمامتي .. ولو قابلوا الرؤساء والأمراء فإنهم لا يقبلون أن يكشف أحدا وجوههم ويقولون إذا كشفت لثام الطارقي فانك أهنته..ولا يعرف الطارقي أخاه إذا نزع اللباس أو اللثام .. ينبغي أن يعرف الطارقي أخاه بلسانه وعيونه وتراهم وهم يحملون على رؤؤسهم العمائم الكبيرة والقميص فوق القميص ذا الصباغ الداكن ما إن تمسكه الأصابع البيضاء إلا وتعود وقد تحولت سوداء كالحبر.. ويحملون الكتب و الحروز على رقابهم وجنوبهم وقد وضعت في أجواق الفضة والنحاس و بأشكال مختلفة .. يتباهون بها وبالسيوف التي يتسلحون بها . و مؤخرا وصل السلاح الفرنسي والتشادي إلى القبائل الطارقية..
إذا قتل الطارقي أخاه أو يرتكب جرما كبيرا كالقتل أو السرقة  فان اكبر عقوبة تقع عليه هي نزع عمامته عن رأسه ووجهه وتجلسه المرأة شيخ القبيلة في مجلس عام أمام النساء الطارقيات لمدة ثلاثة أيام ..
ويرى الطوارق أن نزع العمامة عقوبة كافية حتى للقاتل لان مثلها مثل عقوبة النفي من الوطن .. و يفضل البعض ممن ارتكب جريمة من الطوارق مغادرة البلاد التي ولد فيها وعاش فيها ولا تطأها قدماه أبدا  بدلا من نزع العمامة ..وإذا لجا المتقاتلين إلى القاضي فان ولي الدم يخير بين اخذ القاتل كعبد أو يقتله أو يقبل الدية وهي 100 ناقة إلا أن الأخذ بالدية خيار نادر .كان في الماضي عبيد عند الطوارق واليوم تحرروا.
متعارف عند الطوارق أن القتل عيب ولا يقوم به إلا الضعيف ويقول الطارقي صاحب الدم  للقاتل (سامحته وحقه عند الله .. أي جزاه ).
علماء أو رجال الدين في المساجد لا يرفض لهم كلمة ولا يناقشهم الطوارق وهم مرجعياتهم التي تحظى باحترام وتقدير. وعامة فقبائل الطوارق الكبرى ترى أن كل ما يخص الدين والشريعة والعقيدة له عالم دين وكلما يخص العادات والتقاليد وأمور الشرف والبطولات الاجتماعية وأمور الشهامة فالمسؤل عن توجيهها هي المرأة السيدة في المجتمع الطارقي .وسواء كانت السيدة عزبة أو متزوجة فإنها تفصل في أمور المجتمع غير الدينية وكلمتها هي الأقوى ويأتي المختلفون أو الأعداء إلى مجلس السيدة ويتقاضون بين يديها ويتبادلون معها أمورهم وما يتعلق بالعادات والتقاليد والبطولات وهي التي تسود .. هناك قدسية للشيخ الطارقي .. يطلب في حال الشدائد ..
السيدة الطارقية تبادر بإصلاح الخلافات التي تحصل بين القبائل الطارقية وتعيد العلاقات الاجتماعية وعلى عاتقها يسير حال المجتمع وأوضاعه  ..
ويعيش إلى جانب الطوارق قبيلة الصناعين ويقول زعماء الطوارق أن القبيلة تلك أتت من الحبشة وحتى اليوم لا يتزوج منهم الطوارق الخيمة الطارقية .. تأثيثها وتجهيز أدواتها وهم خدم للمجتمع الطارقي .. ويتولون ذبح البقرة العرقوبة بعد عقرها في الأعراس ..
لا تجد فوارق كثيرة بين الطوارق أنفسهم فالشيخ وأبنائه والكبير والصغير يمازحون بعضهم وينزل الجميع إلى مستوى واحد بخلاف ما هو موجود عند القبائل العربية الأخرى .
إذا أراد الطارقي التقدم لإحدى الطارقيات فان عليه أن يبعث شيخا كبيرا أو إمام مسجد لطلب الزواج ولو لمسافة 300كيلو متر يقطعها في الصحراء على ظهور الجمال وفي حال الموافقة فانه ينصرف لجمع أموال العقد فيما تطلب أم الطارقية من نسيبها مهلة لترتيب البيت وغالبا لا تزيد المهلة على عام واحد يأتي العريس بعد عام وثلة من بني عمه وإخوانه إلى بيت والدة العروس كضيف لثلاثة أيام ويستمر الطبل قائما ليل نهار ومن بعد ذلك يأخذ زوجته .
يشعر الطوارق عموما بالحب العاطفي والولاء العريق للمجتمع العربي إلا أنهم يعتقدون أن لا أحدا يحبهم سوى الصحراء .
منذ 1973م جاءهم الجفاف الذي أمات حيواناتهم وانقرضت ولم يلتفت إليهم احد .. ويقولون أن وضعهم البدوي منعهم من الاستفادة من حقوقهم المتاحة لغيرهم في الدول التي يعيشون فيها .وتعتبر الحياة في الصحراء أقسى المشاكل خاصة والمياه شحيحة والطرقات منعدمة إضافة إلى الإحساس الذي ولدته العزلة وعدم الامتداد الاممي والقومي .
ويعتقد الطوارق أن الدول التي هم فيها تتنصل بطرق غير مباشرة عنهم تفاديا لتطور مجتمعاتهم التي ستلعب دورا لا يرضي تلك الدول . ولذلك فان الطوارق أعلنوا أن قائدهم القذافي الذي يتقيهم كل عام في خيمته الضخمة .. وهم جنوده .
بدا بعض الطوارق يتعلم في ليبيا والجزائر وموريتانيا ويتسلل الطارقي إلى تلك الدول بوثائق طلب العمل ومن ثم يلتحق البعض بالتعليم والمشكلة تكمن في صعوبة الحصول على الجنسية .  وهذا سبب الضعف وعدم الاهتمام بالتعلم وتأخر التقدم الحضري في الصحراء والذي قد أدى إلى تنمية العقدة النفسية .
يرى الطوارق أن الدول التي هم في إطارها لو كان سكانها جميعا طوارق لاستفادوا عاطفيا من مزايا كبيرة مما تملك من ثروات ولكن بما أن الدولة الجزائرية عربية مثلا وهم طوارق فإنهم ينظرون إليهم بمنظور المشكلة .. و الآن الطوارق على ذلك خمس مشكلات لخمس دول .
بدا الطوارق يؤمنون أن وضعهم الطبيعي هو في ظل الديمقراطية وحتى اليوم هناك نماذج يعولون عليها ويرون بضرورة الاقتداء بها من اجل نيل الحقوق المفقودة  وان مسافة الألف ميل تبدأ دائما بميل ومنها أن فوز عدد من ممثلي الطوارق في النيجر ومالي مشجع ففي مالي 8 أعضاء طوارق من بين 147 عضو نيابي وسيكون حظ المرأة الطارقية أوفر من الرجل بحكم المكانة التي تتبوأها في أوساط المجتمع البدوي وسيكون الصناعين أو الحدادين الأقل حظا لان الطوارق يقولون دائما أن مصالحهم وحقوقهم لا تنتزع إلا عبر أقوياء ولا يرون مساحة للمساواة في الحقوق إلا بقدر انتزاع الحق من الآخرين ... 

 

أضف تعليق