في الثلاثين من ديسمبر 2006 تم تنفيذ حكم الإعدام بالرئيس العراقي صدام حسين ليكون أول رئيس عربي يتم إعدامه في ظل احتلال بلده، وذلك بعد أغرب محاكمة في التاريخ يصفها المحامي محمد منيب عضو هيئة الدفاع عن صدام حسين بأنها مسرحية هزلية صنعها الأمريكان بأدوات عراقية..
عن ذلك وسواه حادثنا الأستاذ منيب مشيرا بداية أن هناك بعض الأشياء المتعلقة بمحاكمة الرئيس العراقي السابق ماتزال مخفية عن الجميع لكنها ليست كثيرة. وبرر ذلك بالقول: "في كل الأحوال مثل هذه الأمور في تقديري يصعب الحديث عنها قبل زوال الاحتلال الأمريكي للعراق لأنها تمس في بعض مناحيها المقاومة من زاوية، وتمس بشكل آخر بعض المعتقلين. لذا فإن هذه الأمور ستظل مخفية حتى زوال احتلال العراق"، نافيا وجود ضغوط عليه وعلى زملائه المحامين لإخفاء هذه الأمور، قائلا: "هناك ضوابط وضعناها نحن لأنفسنا. وهو عبء ثقيل نحمله نحن. والحمد لله أننا قادرون على حمله.. وليس لأحد مصلحة.. بل بالعكس الجميع بمن فيهم أعداء الرئيس صدام يريد أن يعرف هذه التفاصيل".
وبخصوص ما تردد مؤخرا عن أن القاضي رؤوف أدلى بعدة تصريحات تدين طريقة تنفيذ الحكم.. وأنه كان ضد تنفيذه، قطع الأستاذ منيب بأنه: "ليس صحيحا.. رؤوف رشيد عبد الرحمن هو الذي أصدر الحكم بنفسه. ولقد كنا حاضرين بالجلسة التي نطق فيها بأحكام الإعدام.. لكن المؤكد أنه عبّر عما أُملي عليه، فالأحكام صدرت على يد الأمريكان وترجمت إلى العربية وتلاها رؤوف رشيد.. وفي الأحكام بعض الصياغات والجمل التي لا تستقيم واللغةَ العربيةَ بشكل عام ولا تستقيم واللغةَ القانونيةَ بشكل خاص أي لم نعتد عليها كمحامين ولم يعتد عليها العراقيون في الأحكام وفق العرف العراقي في تاريخ صياغة وتلاوة الأحكام.. بعض الألفاظ يحمل آثار الترجمة الركيكة التي لم يعتمد فيها على متخصصين قانونيين في الترجمة".
وأضاف أن لهذا القاضي "موقفا متعنتا حقيرا من الرئيس صدام.. وكان موقفه غير مبرر على أي نحو.. كان موقفا يعبر عن حالة ضغينة وحقد شخصيين وهذا هو سبب مجيئه.. كان قبله القاضي ريزكار أمين وهو كردي لكنه كان يتعامل بقدر أعلى من الاحترام مع المتهمين ومع المحامين. وفي اللحظة التي أعلن فيها امتعاضه ورفضه للضغوط المباشرة من الطرف العراقي والطرف الأمريكي قرر الانسحاب وترك المحاكمة"..
كما أكد الأستاذ منيب: "رؤوف رشيد كان يأخذ أوامر من خارج قاعة المحكمة كي ينفذها على المتهمين وهذا ما فعله بدقة".
ومضى شارحا: "كل المحاكمة مسرحية صنعها الأمريكان بأدوات عراقية أي أنت أمام مسرحية هزلية وضع لها السيناريو المحتل الأمريكي ثم قام بإخراجها المحتل ذاته.. فقط الممثلون على المسرح كانوا عراقيين.. هذه المحاكمة ليست بالمعنى المعروف لدينا. كما أنها لم تتوافر فيها أي شروط للمحاكمة العادلة. وكل الأطراف لم تمارس دورها المطلوب بما فيها نحن.. فنحن منعنا من أن نمارس دورنا كدفاع وبالتالي أنت أمام أطراف هي صنيعة الاحتلال وجاءت على يد قواته وهي تنفذ أوامره وتُحاكم وفق قراراته".
أما بشأن ما تعرضت له هيئة الدفاع، فقال محادثنا: "لقد قتل منا خمسة محامين.. ولك أن تتخيل كل أنواع المضايقات والضغوط. فإذا كان الأمر وصل إلى القتل فما دون ذلك من المؤكد أن المحامين تعرضوا له".
وإجلاء للغموض حول ما كان يتم حذفه أو حجبه من المحاكمة على شاشات التلفزة، شرح المحامي محمد منيب أن: "الأمر يتعلق بالاحتلال الأمريكي وما فعله بالعراق وأعداد القتلى المتزايدة وأسباب الغزو الأمريكي ومحاولة توضيح طبيعة النظام السياسي الذي كان يحكم العراق قبل الغزو وطبيعة الحياة التي كان يعيشها العراقيون في أمان قبل الاحتلال رغم الحصار الذي كان قائما وشدته وعنفه. ثم كان الحديث حول الإدارة العراقية الحالية التي جاءت على يد الاحتلال فنحن كنا نعتبرهم عملاء للاحتلال الأمريكي وخونة، وهذا حقيقي.. وكنا نقول هذا في المحاكمة. وفي لحظات التطرق لذلك، وعند الوصول لهذه المناطق كان ينقطع البث فورا. كما أن البث لم يكن مباشرا بل كان يسجل ويبث بعد البدء بربع ساعة على الأقل. والذي كان يقوم بالبث والقطع هم الأمريكان.. هم الذين "يمنتجون" وهم من يحدد ما هو المناسب للعرض وما هو غير مناسب".
وسألنا الأستاذ المحامي إن كان الرئيس صدام قد توقع حكم الإعدام فأجاب أن: "الرئيس الراحل كان رجلا سياسيا. وبمنطق الرجل السياسي الظروف السياسية متغيرة. وفي كل لحظة ربما تحدث متغيرات تضغط على صانع القرار السياسي فيتخذ موقفا مغايرا بغض النظر عن طبيعته سواء كانت سلبا أم إيجابا. ولأن قرار الإعدام كان قرارا سياسيا، فقد كان مرشحا للتغير في أي لحظة.. كان الرئيس صدام متيقنا من أن حكم الإعدام سيصدر. لكن هل كان سينفذ أم لا؟.. هذا كان في علم الغيب حتى تمّ. وهذا كان رأينا أيضا.. لو كنا ذهبنا إلى المحاكمة ونحن نعرف أن هذه المحاكمة هزلية وأن الإعدام هو القرار الأول المتخذ فيها لكنّا ذهبنا كي نفضح هذه المحاكمة وكي يعرف الرأي العام العربي خصوصا والعالمي ثانيا ما الذي يجري وكيف يمكن لمحتل أن يدير شؤون البلاد وما هي "الديمقراطية" التي يمكن أن تقوم في مجتمع تحت الاحتلال.. هذا هو ما كان".
وعلّق الأستاذ منيب عن ظروف تنفيذ ما يسمى "حكم الإعدام" بالقول: "أعتقد أن ما جرى أثناء تنفيذ الاغتيال لم يعد مخفيا على أحد وخصوصا بعد المشاهد التي عرضت، وهي كافية بحد ذاتها لفضح تلك المجموعة من الخونة أعوان المحتل الذين يصفّون حسابات شخصية وسياسية قديمة ويتعاملون خارج كل سياق قانوني وبلا احترام للمشاعر الإنسانية.. هؤلاء فقدوا احترامهم للمشاعر الدينية التي يدعون اعتناقهم لها.. لا يوجد دين في العالم كله ولا أخلاق ولا مبادئ ولا قيم تتيح لك بأن تسمح لأحد بأن يتشفى بجثة ميت أن يضرب ميتا.. هذا حدث مع الرئيس الراحل صدام حسين.. رجل في حبل المشنقة وهم يغنون من حوله ويتراقصون ويقاطعونه وهو يقول الشهادتين.. هذا أمر غير مسبوق ولم يحدث من قبل"..
وختم الأستاذ منيب حديثه معلقا عما أسميناه توقعات الرئيس صدام حسين بشأن مستقبل الاحتلال بأن تلك "لم تكن توقعات بل كانت تحليلا سياسيا مبنيا على استقراء الواقع كما هو. والرئيس صدام كان يعلم واقع العراق ويعرف الشعب العراقي وطبيعته ومكوناته ومدرك لأغراض الاحتلال ومراميه وبالتالي ما قاله ضربٌ من التحليل السياسي الذكي الذي كان يستشرف المستقبل وقد تحقق.. الأمريكان غارقون في وحل العراق ويودون لو يفروا لكنهم لا يستطيعون عمل هذا بسهولة.. فما الذي سيقوله جورج بوش للشعب الأمريكي وكيف سيدير حزبه انتخابات الرئاسة؟.. وكيف سيبررون انسحابهم إذا فعلوا.. هم بالتأكيد يريدون الانسحاب لأنهم يقتلون يوميا على يد المقاومة العراقية الباسلة التي يشتد عودها يوما بعد يوم.. بعد مرور خمس سنوات مازال يقتل يوميا عشرات الجنود الأمريكان.. وبالتالي نعم، تحليلات الرئيس صدام تتحقق اليوم".