نجاح حدة... شاعرة مثقفة ومتجاوزة ، تدهشك ببساطتها ، وتواضعها الجم ، وتدهشك ثانية حين تهزّ فيك القناعات، بأسئلتها الوجودية المحرجة والمربكة ، تداهمها القصيدة كالموت أو الولادة النورانية ، وتأخذها غيبوبتها اللذيذة ، فلا تسمع حينئذ سوى وقع موسيقاها ، ولا ترى غير أطياف فراشاتها الملوّنة ..
نجاح حدة ، شاعرة جريئة تطرق المحظور وتعري التابوهات وتهزأ بكلسية السائد ، بسخريتها اللاذعة ، تفقد التقاليد البائدة وقارها ، وتعيد للأنثى المبدعة اعتبارها ، تكتب القصيدة في مجالاتها الثلاثة " العمود- التفعيلة – النثر " ، تكتب بعمق وصدق ، كما تود أن تكون هي بكل عفويتها وبساطتها وصدقها ، تنمو قصائدها يوما بعد يوم ، ومع كل قراءة جديدة لقصائدها ، يدرك القارئ اللبيب ، ما معنى أن يعرف الشاعر أكثر ...
إلتقيتها في اللحظة الضاربة في صوفيتها ، وكان لي في ذلك الشرف ، وعدت وفي جعبتي نفائس ولآلئ ،،،، هذا الحوار بعض منها...
حاورها / عبد الرقيب الوصابي
* هل تكتبين القصيدة ؟ أم أنَّها هي التي تكتبك ؟
وهل لها أن تحدثنا عن أجواء الكتابة عندها ؟
- الكتابة يا صديقي لحظة منفلتة مستعصية عن كل فهم ومنطق ، فهي تأتي فجأة في غير موعد كأمطار الصيف، كأحصنة البراري الحرة التي لم يصله إنسان ليدجّنها ، القصيدة لا تضرب لنا مواعيد لننتظرها في محطات معينة أو في أوقات معينة ،تلك اللحظة الضاربة في صوفيتها تداهمك كالموت أو الولادة النورانية لترمي علينا شباكها الأزرق الضوئي، تأخذك غيبوبتها اللذيذة فلا تعد تسمع غير وقع موسيقاها ولا ترى غير أطياف فراشاتها تصبح كائنا مسلوبا لا يخضع لغير جاذبيتها ولا يأتمر لغير أمرها .والسؤال عنها كأنه ضرب من البدعة ككيف اعتلى الله عرشه ؟
شخصيا في حضرة الكتابة أصبح مفعولا به، شخصيا كتبت في سيارة كتبت في باص استعرت قلما من شخص غريب وكتبت في الشارع كتبت مرتين على دفتر الشيكات في مركز البريد كتبت في نومي قصائد رائعة ذهبت بها اليقظة .
* هل لا زالت الذاكرة تحتفظ بشيء ما من ذكريات الطفولة؟
تحضر الطفولة بكثافة في قصائدي بعنادها الأبدي تأبى أن تغادرني بحناء العيد
بسنونوات تأتي في أثر المطر مبتهجات فوق رؤوسنا نجاريها نفرد أذرعنا نقلدها مبتهجين بمقدمها ومقدم المطر ,كوانين الجمر في قريتي النائية في الشرق الجزائري الأوراس ، الثلج الذي يغطي بوقار قممه العالية ’ الصفصاف السنديان
حكايا الجدات ، غناء أمي الذي يشبه في حزنه البكاء عن الثورة والشهداء ...
* تجربتك الشعرية ، سماوات شاهقة ،ماذا عن المناطق المحظورة في اشتغالاتك تلك؟
- القصيدة مداهمة فجائية قد تأتي مزقزقة حاملة لروائح الورد وهمس السواقي...
قد تأتي مزبدة مرعدة مدافعة عن قضية ما، قد تأتي شاهرة سيفها قاتلة أو مقتولة تطرق المحظور وتعري الطابوهات وتهزأ بكلسية السائد .
إنها لحظة مكاشفة صادقة مع الذات والأخر .
*القارئ الذي تفضلين عند قراءة قصائدك ... ماذا عنه ؟
-من يفكر في نوعية القارئ حين الكتابة ؟وأكاد أراهن وأجزم أن لا شاعر حين كتابة قصيدة يفكر في قارئ ، رغم أنني أتمنى أن يتمكن من قراءتي الكل وأن يصبح الشعر خبزا يوميا على حد تعبير نزار رحمه الله .
* من الشعراء الذين تأثرت بهم في مراحل بداياتك الأولى ؟
-قراءتي ليست وليدة قراءات بعينها قرأت للكثير ابتداء من الجاهلي إلى العصور الإسلامية المتنبي .. درويش نزار غادة السمان محمد الفيتوري الشاعر الجزائري المتميز أزراج عمر شاعر جزائر معاصر مفدي زكريا صغيرة مازلت أذكر تميزه محمد الفيتوري ..
* أشتغالاتك الشعرية ذات ارتباطٍ بالتساؤل الوجودي ، ما الذي تخفيه قصائدك ؟
وهل معنى ذلك أنك تقصدين استكمال مشروع شعري تخططين من خلاله لمشروع ما ؟
-التساؤل الوجودي هو من صميم الشعر هي الشعر ذاته ما الشعر إن لم يحمل انفعالات الإنسان ،أحلامه وأسئلته المحرجة والمربكة.
ليس لي مشروع غير الجمال ، الكتابة بعمق وصدق يعكسانني كما يجب ، ليس لي غير مشروع تفرد بأن أكون أنا بكل عفويتي وبساطتى وصدقي ليس لي مشروعا غير ترك بصمة روحي على القصيدة الشعرية أو الكتابة الروائية
* يلاحظ القارئ حضورا ملفتا لثيمة الموت في تجربتك الشعرية ؟
برأيك ما هي الأسباب التي تكمن وراء تكثيف حضور هذه الثيمة ؟
-آه الموت يا صديقي من سنوات غير بعيدة، في الجزائر كان كائنا يقنص أنفاسنا ويوقف سياراتنا لا لكي تبتاع منه الورد على طريقة بائعة الورد لـ "غابريال غارسيا ماركيز"،بل ليأخذك إلى مصيرك المحتوم، الموت هذا الذي في 2008 أخذ أمي وفي 2011 ترك وسادتي خالية من رأس زوج وصديق عاشرته أكثر من عشرين سنة وفجأة ككذبة ككابوس لا يستيقظ منه لآ أجده، فقط وجدتني طفلة وسط أطفالي الذين فجأة أطلقوا عليهم تسمية اليتامى ،فجأة أجد صديقي ورفيق القراءات والمناقشات الأدبية معي قد رحل وترك أقلامه وكتبه ونصف رواية كتبها قبل موته فاغرة تسألني أن أكملها ولا أجرؤ .
*يرى البعض أن الشعر قد تراجع كقيمة وظيفية أمام الفنون الأخرى لاسيما البصرية ؟ ما رأيك ؟
-صحيح كثيرا فالشعر لم تعد له تلك الوظيفة الإخبارية التي كانت له في أزمنة مضت تفرعت شجرته إلى فروع أخرى بصرية سينمائية وإخبارية ذهب نصف الشعر في فنون أخرى حلت محله من ناحيته الوظيفية نوعا ما ،لكن يبقى للشعر حلاوته وطلاوته عند محبيه وموهوبيه ودارسيه بشغف - الفن من أجل الفن والشعر من أجل الشعر.
*هل استطاع النقد أن ينتج خطابا موازيا للخطاب الإبداعي ؟ أم أن اشتغالات النقد لازالت تحوم حول النصوص التراثية البائدة؟
- لا يمكن للنقد أن يواكب الشعر وأن يكون موازيا له ،إن الكلام عن الكلام صعب كما قال أبو حيان التوحيدي ، و" عن " هنا تفيد البعدية وومحاولة اللحاق وإدراك ركب الإبداع،الكائن الشعري مجنون محلق يولد هكذا بينما ،يتوالد النقد شيخا يستعمل النظارات ليرى في أي اتجاه حلق الطائر لعله يدركه وهيهات أن يدرك النقد الإبداع إلا فيما ندر،وما يؤكد ذلك أن معظم الدراسات على كثرتها مازالت عالقة بــ" قفا نبكي"،المعلقات والعنتريات عظمة المتنبي و خمريات أبي نواس ...
*هل استطاعت المرأة المبدعة أن تقول كلمتها ؟ أم أنها لم تتمكن حتى اللحظة من كسر التقاليد الظالمة ؟
-إمــــــــــــــــــــارة النســــــاء
لا تسمعوا فصوتي عورة وجسمي عورتان وغنائي حـــــقـــــــارة ليس من حقي أن أضيف وترا إلى قيثارة كما ليس من حق صورة أن تتجاوزا الإطار عليّ فقط أن أبقى شمع جنــــس وقمرا بكامل إستدارة فحامض الكبريت دائما خلفي لاهثا ناثرا غباره فكل ما أقوله أو أفعله يدخل تحت طائلة الجنس و الإثارة إن ضحكت أو أومأت أو كتبت استعاره علي أن أخلع نعلي إن تسللت إلى حديقة الأحلام كالصرصاره كلما أردت إبداء رأيي - في أي موضوع – قالوا : خسارة خسارة أن يشغل رأسها التفكير خسارة خسارة أن يفقد جمالها النظارة
مقطع من قصيدة طويلة عنوانها " إمارة النساء "
يغيظهم إن تكثفت سحائبي إن جرفت رمالهم أمطاره تخاف أمي من معطفي إن فتحت أزراره تقتلني نظرتها - ككاتم صوت – وحدي أرى شراره تودني أمي نسخة عنها يكرهني أخي يود أبي لو يوأد في الرمل عــــــــــــاره يخاف مني أبي على مفرقيه أن يفقدا الوقارا يود أبي أن يطمئن على مستقبلي صندوق من العنب أنا ماذا يحل بأبي إن كسدت ثــــــــمــــــاره أخــــاف من خـــــــوفي أخاف حتى من حديقة الأحلام - إن دخلتها – من حامض الكبريت داخلي أن يقتل الأزهـــــــــــارا أخــــــــــاف أخـــــــــاف من كثرة خوفهم علي أصبحت جبانة مــــغــواره
تحضر في مجموعتك الشعرية قصيدة الشعر العمودي و الحر وقصيدة النثر، أي الأنواع الثلاثة أحب وأقرب إلى قلب الشاعرة ؟
- الذي يتوفر على الجمال مهما كانت صفته
رغم أنني اكتب في المجالات الثلاث غير أنني لا أستطيع المفاضلة بين قصائدي كأنني أتعامل مع أولادي تصعب جدا الانحياز
في الأخير شكرا لك صديقي أنك أتحت لي هذه الفرصة هذه المساحة....
عـــــادات …
**********
ومن عادتك ألا تذهب ولو خلعت عليك
أثواب الريح وفتحت لك نافذة في دمي
ومن عادة المعنى أن تلبس قمصانه المشجرة
بكل قصائدي
وتفتح أول الأزرار
كي تأوي الفراشات والعصافير
وتستيقظ المدن البائدة.
لذا لم أعاتب طيفك هذا المساء
لم لم يمر على خاطري ويثرثر معي كعادته عن أي شئ
ويشرب قهوتي الباردة؟
لبستك خطاي وحدسي الذي قرأ
طالعك في القصيدة
لم يقتنع بالغياب تماما
وظل على اتصال ببعض رماد يموه على جمرة
عادت إلى رشدها وقد تهيأ أنها خامدة
من عادتي ألا أسيئ
فهم النوارس إذا نقرت نافذتي
واستأذنت في الدخول فطيفك الممتد في ينشر البحر
في دمي علانية في المدى
ومن عادتي ألاّ أسيئ فهم الطيور
إذا عدلت خطتها في انتظار الربيع
وأقفلت إلى مقلتي عائده
فطيفك السحري أحدث الفوضى
في نظام الفصول
فجاء الربيع
قبل الشتاء أن يفد
ومن عادتي ألا أسائل
كيف تشعل سيجارة
فتوقظ رغبة هامدة
كما من عادتي ألا استفسر
كيف هبط المن والسلوى ؟
وكيف تنزل المعجزات في
سورة المائدة
لآن ما عدت حلوة