عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. *
لأسباب كثيرة متعلقة بالمكون التاريخي الثقافي لبنية العقل الاجتماعي العربي لا يمكن أن تكون الديمقراطية في نموذجها الغربي هي الحل لمشكلاتنا السياسية، لأنه من الصعب أن تستورد طرائق حياة مجتمع لتطبقها على مجتمع آخر تختلف فيه مكونات الهوية والوعي والنمط الثقافي في فهم الحياة، وهو أمر أدركته شعوب كثيرة في المعمورة، لذلك عمدت إلى ابتداع وسائل حياتها بما يتلاءم مع مكونات الوعي الاجتماعي وأنساق الثقافة المهيمنة على بنية العقل الجمعي لهذه الشعوب، فإذا بنا أمام ديمقراطيات عدة وطرائق في الحكم مختلفة، ونحيل هنا إلى نماذج ماثلة في المجتمعات المعاصرة، الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، روسيا، الصين، اليابان، تركيا، إيران، إسرائيل، الهند.. الخ. فكل نموذج منها له مرتكزاته ومرجعياته للنظام الحياتي الذي اختاره، بما في ذلك القوة الرمزية التي تشير إلى وحدة المجتمع وتماسكه، فالأميركيون يتحدثون عن الدستور والآباء المؤسسين، فيما بقيت في بريطانيا رمزية المملكة، كما هي رمزية الإمبراطورية في اليابان، ورمزية العلمانية في تركيا، وكل رمزية لها قوتها التي تحميها، إنها قوة المجتمع، قوة الثقافة التي تسير الوعي وتحدد معالمه. *نحن في الوطن العربي في حيرة وعجز، فلا استطعنا أن نؤكد رمزية الوطن كحدود جغرافية، ولا رمزية الدين كقوة ميتافيزيقية غيبية تملي فلسفة حياة، ولا رمزية أيديولوجية معينة كالاشتراكية بأنواعها، أو الرأسمالية في صيرورتها البراغماتية، وجميع محاولاتنا في ابتداع قوة الرمز من خارج مكونات الوعي الاجتماعي فاشلة وغير فاعلة، لذلك لم تنجح رمزية الثورات على الاستعمار، ولا رمزية تغير الأنظمة إلى جمهوريات، ولا رمزية الديمقراطية والتعددية الحزبية، ولا رمزية الحزب الواحد. *كيف نريد مجتمعاً ديمقراطياً ومكونات وعينا الاجتماعي التاريخي والثقافي لا يؤمن إلا بالأحادية، بالمرجعية الواحدة، بالقوة الواحدة، بالعادل الواحد، أو الظالم الطاغية الواحد، نحن نؤمن بالشخص قبل أن نؤمن بالنظريات أو الدين أو الأيديولوجيا، لأننا نؤمن أن قوة الشخص الواحد هي التي تمثل البناء الثقافي برمته وهي التي تحرسه، هذا قدرنا الذي يستعصي على التغيير، وبناء عليه ينبغي لليمنيين الآن أن يعالجوا مشكلاتهم السياسية والاجتماعية وفقاً لهذه الحتمية التاريخية الثقافية المهيمنة. *نحتاج إلى مرجعية واحدة نرى من خلالها أنفسنا وحياتنا وعقائدنا وثقافتنا، نحتاج شيخاً واحداً أو رئيساً واحداً أو ملكاً واحداً أو حزباً واحداً، نحتاج مرجعية تتناسب مع مكونات وعينا التاريخية، مرجعية الشخص القوي الواحد الذي يمثل فينا خلاصة قيمنا الواحدة أو أرضنا الواحدة أو ديننا الواحد. *ما هو حاصل اليوم في اليمن هو نوع من أنواع الانفصام الاجتماعي، فعلى الصعيد النظري يحاول خطابنا الظاهر أن يجعل الوطن مرجعيتنا الواحدة، في حين يؤكد سلوكنا بفعل قوة خطاب الوعي الثقافي التاريخي أن مرجعية المنطقة أو البشرة هي الأقوى، ويحاول خطابنا الظاهر أن يجعل الثورة مرجعيتنا، لكننا نحول دون تحقيق ذلك بالبحث عن تاريخية الثائر الواحد، وكذلك الحال مع الوحدة، لأننا نبحث عن محقق الوحدة الواحد، ليكون المرجعية الواحدة، فيتحول الخطاب من خانة الوحدة كمفهوم يحمل قيمة مرجعية إلى خانة الشخص الواحد الممثل الشرعي والوحيد لهذه القيمة، وكذلك الحال في المرجعية الحزبية، رجل الحزب الأول هو المرجعية وليس الحزب كتنظيم سياسي له برامج حياتية وسياسية معينة، وعلى هذا الأساس ينتمي أفراد القبيلة للحزب لأن شيخ القبيلة ينتمي إليه، وشيخ القبيلة أو المنطقة أو عاقل الحارة ينتمي إليه، لأنه الحزب الحاكم أو الحزب الأول الذي يرأسه الرجل القوي الواحد، وهكذا تصبح مرجعية التعدد الحزبي والانتماء السياسي مرجعية صورية واهية، فبمجرد سقوط الرجل الأول سيسقط الحزب ويتناثر إلى أشلاء. لذلك أقترح أن نعدل ديمقراطيتنا ونظامنا السياسي دون الحاجة لحالة الفصام الحياتي الذي نعيشه بين ما نؤمن به ونمارسه وبين ما نحاول أن ندعيه ونتظاهر به، والخطوة الأولى لتحقيق الخروج من هذا الفصام والتصالح مع الذات هي أن يقدم الرئيس استقالته من المؤتمر الشعبي العام، ليصبح رئيساً لليمن ومرجعية لكل الأحزاب، ومرجعية للوحدة والثورة والوطن والدستور والقانون، ثم يقوم بتشكيل حكومة وحدة وطنية تحضر لانتخابات برلمانية ومحلية بعد إقرار تعديلات دستورية تتيح للرئيس أن يكون رئيساً وقائداً للقوات المسلحة دون أن يكون منتمياً إلى أي حزب سياسي.