* ملت أسماعنا وأرواحنا خلال 19 عاماً من كثرة الخطابات السمجة التي تحاول أن تربط الوحدة إلى شارب شخص فتجعله هو الوحدة والوحدة هو، دون أن تستوعب أن الوحدة اليمنية لا يمكن أن تكون ملكاً لعلي عبدالله صالح ولا للمؤتمر الشعبي العام، ولا حقا شخصيا لعلي سالم البيض ولا للحزب الاشتراكي، لا أحد يستطيع أن يدعي الوصاية عليها بصك تمليك أو عقد تأجير.
*لقد توحد الألمان في دولة واحدة لا شرقية ولا غربية، وربما 90 % من سكان العالم اليوم لا يعرفون من هما الزعيمان الألمانيان اللذان تحققت الوحدة الألمانية في عهدهما، لم تكن وحدة الألمان ملكاً لأحد، كانت مسؤولية تحقيقها شرفاً لكل ألماني ومن أجل كل ألماني، في حين بقيت الوحدة اليمنية في نظر خطاب القوة الوحدوية أشبه بزواج كاثيولكي، بينما ينظر إليها الخطاب الانفصالي وكأنها زواج متعة، في الطرف الأول يتمترس الرئيس الصالح وأنصاره، وفي الطرف الآخر يتباكى البيض وأعوانه، وبين الطرفين يربض الوطن النازف دمعاً ودماً وتخلفاً.
*من منطلق هاتين النظرتين اليوم يتأزم الموقف، وتغيم أجواء اليمن بالنقيضين، وكل نقيض يسعى ويتفنن في الإقناع بحجته واستنفار الناس إلى هاويته السياسية التي يصورها في هيئة الفردوس الموعود،.
*نحن اليوم أمام واقع سياسي يملي شروطه، أمام تحديات تتدفق من جعبة اللاعبين السياسيين في العالم، إنهم صناع بؤر التوتر ومهندسو التشوهات البشرية لتصبح أبقاراً حلوبة أو فئرانا رخيصة في مختبر الجشع والشهوة المادية اللاإنسانية المعاصرة، وفي اعتقادي أن اليمنيين جميعاً سيكونون وقود هذا الصراع وضحيته إذا ما استجابوا لمحركاته ومحفزاته.
*استمرأ الرئيس الصالح طوال عمر الوحدة خطاب الوصاية الوحدوية وكأن الوحدة تنّور يمده بالطاقة السحرية التي تشرعن له التشبث بالسلطة والحكم باسم هذا المنجز وليس باسم ما ينبغي عليه تجاه بناء الإنسان اليمني وترسيخ تجربته السياسية وبناء مداركه وقدراته، وهذا كلام يطول ويمتد ويعرض بمساحة اليمن، ولعل الأجدى الآن أن نتساءل ما هي الحلول وما هي المخارج؟.
*إن الكرة لا تزال في ملعب الرئيس الصالح، وأظنه لا بد أن يدرك أن لا فائدة الآن من إدارة الأزمة بطريقة الهبات ولا اشتراء الكلام ولا استقطاب الصمت، ليس مجدياً الآن إقامة توازن في هيكل الدولة المؤسسي بين شماليين وجنوبيين، ولن ينفع مراعاة المناطقية في التشكيل الوزاري ولا استحضار خارطة القوى القبلية والمشيخية ولا قوى الحق التاريخي، ليس من طريق الآن سوى صوت العقل الذي يقتضي أن يسعى إليه الرئيس ويسلمه ملف الأزمة وإشكالياتها المستعصية، وأعتقد أن في اليمن رجالاً ونساء قادرين على أن يكونوا ممثلين صادقين لصوت العقل، بعيدا عن هزال من سئمناهم من ممثلي مصالح ذواتهم أو أحزابهم في كل الحوارات التي أفضت بنا إلى السراب.
*بكل صدق الحل الآن ليس في أن يذهب علي عبدالله صالح، ولكن في أن يبقى ليرعى ويحمي حوار العقل وينفذ ما ينتج عنه من حلول دون أن يجيرها لصالحه أو يفرغها من قوتها، الرئيس الآن في حاجة إلى لحظة صفاء مع الذات، وكذلك الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، لا نحتاج معالجة الأمور على طريقة حميد الأحمر أو الزنداني أو العتواني أو الصراري، ولا على مذهب الصحافة الرسمية في عمائها وعنترياتها، ولا على شاكلة صحافة المعارضة أو الصحافة الحزبية في انتهازيتها وذرائعيتها أو بكائياتها وثوريتها العديمة.
*حوار العقل يجب أن يكون من أجل اليمن واليمنيين، يجب أن ينتصر لمواطنة الإنسان اليمني في حاضره ومستقبله، يجب أن نستبعد الأشخاص في حوارنا ونستحضر الوطن، الوطن أكبر من الرئيس والوزير وأوسع من الحزب والقبيلة وأهم من الشيخ المنتفع أو التاجر الانتهازي، الوطن أكبر بكثير من أن يكون تحفة أنيقة في خزانة علي عبدالله صالح، وأسمى وأنبل من أن يكون فرشاة أسنان في حقيبة سَفر علي سالم البيض.