يمن تودي -خاص:
لم تصدر القاعدة تسجيلاً مرئياً كما كان منتظراً منها تتحدث فيه عن تفاصيل ومنفذي ووصايا عملية مجمع وزارة الدفاع اليمنية ..حيث كان الإصدار الجديد الذي بثته شبكة الملاحم الإعلامية التابعة للقاعدة مكرساً لتحسين صورة التنظيم وإظهار مدى رأفته بالجنود الذين أطلق سراحهم بعد أسرهم وأخذ التعهدات عليهم بعدم العودة للعمل في الجيش والأمن..الشريط الأخير كما يبدو محاولة لإنقاذ سمعة التنظيم التي بلغت أسوأ حالاتها حتى في بعض الأوساط القبلية المتعاطفة معه والحاضنة له.. ولم يغفل الشريط إظهار الأمور التي تقدر على فعلها القاعدة لولا حلمها وصبرها حيث أشار القائد العسكري للتنظيم قاسم الريمي في ذات الشريط أن القاعدة قادرة على إدخال شاحنة أو شاحنتين من المتفجرات إلى كل معسكر ووزارة في اليمن لولا أنها مازلت تنتظر أن يقف الجيش والحكومة على الحياد.
توقيت بث الشريط الجديد جاء بعد تساؤلات عن عدم صدور أي بيان رسمي يؤكد أو ينفي علاقة التنظيم بعملية اقتحام مجمع وزارة الدفاع اليمنية التي تسببت في وفاه وجرح المئات معظمهم من الأطباء والممرضين والنزلاء الذين كانوا في مستشفى العرضي وأظهرت مقاطع فيديو سجلتها كاميرات المراقبة في المستشفى مدى الوحشية التي تم فيها قتل كل من كانوا في المستشفى بدماء باردة .
وعلى الرغم من كون هذه العملية ليست الأولى ولا الأكبر من حيث عدد الضحايا في اليمن إلا أنها هزت المجتمع اليمني الذي سيطر عليه الحزن والهلع وهو يتناقل مقاطع الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي .
غير أن هذه العملية للقاعدة كانت الأولى التي يشاهد فيها الجميع وقائع القتل التي طالت حتى النساء والعزل من السلاح لحظة بلحظة وهو ماتعتبره التقاليد القبلية اليمنية في أعرافها"عيباً اسوداً" عوضا عن بشاعة الجريمة على المستويين الديني والإنساني .
الكثير من التكهنات وعلامات الاستفهام دارت وتدور حول هذه العملية التي سارعت الكثير من أطراف العملية السياسية في اليمن لتبادل الاتهامات فيها وفقا لنظرية المؤامرة وفي سبيل تحقيق مكسب سياسي وتوجيه غضب الشارع نحو طرف ما ..
بعد العملية بساعات تبنت صفحة مجهولة لتنظيم القاعدة على تويتر العملية واعتبرت أنها كانت تستهدف مقرا سرياً لإدارة عمليات الطائرات بدون طيار ..غير أن الصفحة سرعان ماتم حذفها بعد أن أكد صحفي مقرب من القاعدة أنها تتبع التنظيم .
وهنا عاد مرة أخرى ولكن بضراوة أشد مسلسل تبادل الاتهامات بالوقوف خلف العملية بين الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية .
لكن ظهور التقرير الأولى الذي رفعته اللجنة المكلفة من الرئيس هادي والتي يرأسها رئيس هيئة الأركان قطعت الطريق مجدداً على المتصارعين السياسيين بعد أن ذكر التقرير أن معظم منفذي العملية هم من الجنسية السعودية .. وهو الأمر الذي يجعل إلصاق التهمة مجدداً بطرف ما غير القاعدة أمراً بالغ السذاجة نظراً لكون اسلونها الانتحاري ينتمي لفكر القاعدة إضافة إلى كون معظم منفذيها من السعوديين .
غير أن عدم إعلان القاعدة حتى ذلك الوقت عن مسئولتها عن الحادث كان أمراً محيراً في ظل حالة الغضب الشعبي المتصاعدة من قسوة المشاهد البشعة لقتل الطبيبات والممرضات بطلقات مباشرة في الرأس ومنظر مجموعة من المختبئين المذعورين والمحاصرين يستنجدون بقاتل كان يرتدي الزي العسكري ليتقدم إليهم في خطوات واثقة وبطيئة مكنته من الاقتراب منهم بشكل كافي لإلقاء قنبلة يدوية قتلتهم جميعا .
بدا أن المدافعين والمبررين عن علميات القاعدة في حالة ضعف وخجل غير مسبوقة فيما ظهر مأمون بن عبد الحميد حاتم وهو أحد منظري القاعدة لينفي علاقة التنظيم بمثل هذا العمل الذي قال في صراحة استثنائية :"نبرأ إلى الله من هذا الفعل ومن صاحبه ومن كل من يرضى به" مضيفاً" أنه يستحيل أن يقوم بمثل هذا العمل من في قبله ذرة من رجولة أو إنسانية فضلا أن يكون هذا مجاهدا يسعى إلى نشر الشريعة الإسلامية في ارض الله بين عباد الله" حسب قوله.
غير أن مأمون بن عبد الحميد حاتم ذاته كان قد كتب يوم الحادث مبشرا أنصار القاعدة بأن قيادات عليا في الجيش اليمني باتت في قبضة القاعدة .
وهو الأمر الذي يعطي تفسيرين لمن يقف خلف العملية فإما أن القاعدة أرادت أن تتنصل من مسؤوليتها تجاه ماحدث لأنه سيدمر كل مايمكن أن تحظى به من شعبية في بعض المناطق القبلية في اليمن أو أن من قام بهذه العملية هم جناح منشق عن القاعدة يبدو أنه أكثر تشدداً ويمثل جيل جديد أكثر وحشية وقسوة ويرى في موقف قاعدة اليمن بشكلها التنظيمي المعروف والقائم نوعاً من الضعف والتراخي .
ويبدو من الوقوف عند ثقافة القاعدة وانحيازها نحو العنف أن ثمة تطور طبيعي في فكر التنظيم الذي أصبح أكثر انعزالاً بعد مقتل مؤسسه أسامه بن لادن الذي حذر في رسائل سبق وان أشارت لها "يمن ودي" من خطورة انخراط التنظيم في معركة مع الجيش والقبائل في اليمن التي كان يرى أنها ارض مدد وليست أرض معركة ..غير أن الظواهري الذي خلف بن لادن في زعامة التنظيم وبحسب مراقبين ظهر أكثر تشدداً مستلهماً لفكر التكفير والهجرة الذي ظهر في مصر في ثمانينات القرن الماضي .
هناك شواهد أخرى تفسر ماحدث من عنف وإزهاق للأرواح لم يكن مألوفا تجاه المدنيين والعزل بينما شاهدنا مثله مع من كان يتم اتهامهم بالعمل كجواسيس وحتى الجنود الذي قتلوا بوحشية في أكثر من عملية عن طريق عمليات انتحارية سابقة .
حيث ترجح بعض التقارير أن يكون معظم من نفذوا العملية هم من العائدين من سوريا ويدلل على ذلك رباطة جأشهم وبرودة أعصابهم وتدريبهم العالي كما ظهر من التسجيل إضافة إلى قدرتهم على القتل بدم بارد وبنفس أساليب القتل التي تستخدمها القاعدة في سوريا.
و يؤكد ذلك رسالة وجهها أحد المنفذين ونشرت قبل عام حيث تحدث السعودي صقر محمد القرشي عن عزمه الذهاب إلى ما اسماه "الجهاد في سوريا" .
وقدر أظهرت نتائج تسريبات صحفية أن من قبض عليهم من المشاركين في العملية قالوا أنهم يتبعون " دولة الخلافة الإسلامية " وربما يكون في ذلك إشارة إلى أنهم مكلفين بتنفيذ العملية من قبل دولة العراق والشام الإسلامية "داعش" وان هذه العملية لم يتم التنسيق لها مع قاعدة جزيرة العرب التي يرأسها اليمني سالم الوحيشي .
وهذا مايفسر أيضا أن معظم منفذي العملية من السعوديين على غير العادة .
الأمر أيضا يكشف على مايبدو عن خلافات وانشقاقات في بنية التنظيم العالمية وانقطاع التواصل بين معظم القيادات الأمر الذي ساهم في تشكيل مجاميع صغيرة بعضها يتبع قاعدة الجزيرة والبعض الأخر يتبع قاعدة العراق والشام حيث أن التنظيم هناك أكثر صرامة واقل تسامحاً مع المجتمع بخلاف قاعدة اليمن التي تتحدث دوماً في بياناتها عن حرصها على سلامة الأرواح وحرمة الدم لغير "المرتدين" حسب تعبيرها .. حيث سبق لها وأن أفرجت لعشرات المرات عن الجنود الذين تقوم بأسرهم بل وتزويدهم أحياناً بمبلغ من المال للعودة إلى منازلهم بينما تعمد قاعدة العراق والشام لذبح كل من يقع في يدها من الجنود والتمثيل بجثثهم .
قاعدة اليمن كذلك ظهرت من خلال "أنصار الشريعة " الذي بدا كجناح سياسي للتنظيم يقبل بمبدأ الحوار من خلال طرح شروط واضحة يمكن الوصول إلى حل في حال تم القبول بها وهو أمر غير مألوف في كل فروع التنظيم في العالم .
ومن هنا يبدو أن عملية مجمع وزارة الدفاع بصنعاء تبدو كحالة من حالات الشظى التي لحقت بالتنظيم نتيجة لعدم قدرة الكثير من قادة التنظيم الكبار على السيطرة على اذرع وخلايا القاعدة التي أصبح الكثير منها خارج عن السيطرة ويقوم بعمليات لامركزية .
وكل ذلك يؤكد وفقا لمؤشرات حصل عليها "يمن تودي" أن عملية العرضي من تنفيذ التنظيم الدولي للقاعدة وأنه تم تكليف "داعش " بالقيام بالعملية من دون التنسيق مع قاعدة جزيرة العرب وقد صدرت أمر تنفيذها من الظواهري شخصياً.. ويعزز من هذا الاستنتاج حالة الارتباك من تبني العملية .
وينقل الصحفي المتخصص بأخبار القاعدة في اليمن عبد الرزاق الجمل فقرة من فيلم قديم للقاعدة يقولون فيه :"وفي كل تلك العمليات كان المجاهدون يحتاطون لدماء إخوانهم المسلمين، حتى ولو أدى ذلك لإلغاء العملية كاملة، فقد كانت التعليمات للمجاهدين واضحة بإيقاف أية عملية قد تؤدي لقتل مسلمين، فالمجاهدون ما قاموا إلا لنصرة المستضعفين وإقامة الدين"..
ويشكك الجمل في نسبة هذه العملية للقاعدة قائلاً:"من الأمور التي تجعلني أشك بعلاقة تنظيم القاعدة بما حدث داخل مستشفى العرضي في مجمع وزارة الدفاع استهداف مدنيين بينهم نساء في مستشفى العرضي، وهذا يتناقض تماما مع أدبيات القاعدة، حيث سبق لها وأن ألغت أكثر من عملية كان سيسقط فيها مدنيون، وهذا موثق في إصداراتها.
غير أنه يعود فيقول أن هذه العملية يكتنفها غموض كبير حيث أنه تحمل الطابع الاستشهادي، الانتحاري، الفدائي، بحسم مسميات الأطراف المتحاربة.إضافة إلى أن عملية الاقتحام تشبه عمليات سابقة للقاعدة".