جميل مفرِّح
* لا أدري لماذا نبني دائماً ثقتنا بالآمال البعيدة وإن كانت واهية في طريقة أشبه ما تكون بالهروب من الواقع ومراوغته والالتواء عليه، وإن كان بأيدينا أن نواجهه، وأن نكيّفه معنا لا أن نتكيف معه أياً كان، نتهرب باختلاق فرضيات إيجابية أبعد ما يكون تحققها، والطامة الكبرى حين نستطيع أن نتمكن من الفرص وننال من المستحيل، ويتحقق لنا القدر الضئيل من إمكانية النجاح فيما يشبه المعجزة، نجد أننا نتنصل من كل تلك الآمال والفرضيات ونبدأ بهد أركانها وكأنها لا تعنينا بالمرة.
* ذلك ما لوحظ ويلاحظ في تعاملنا مع الأزمة الراهنة في الوطن، فكلما بدأنا بداية في حلحلة وتفكيك عقدة الأزمة انتهينا مع المحاولات الأولى، وكلما انتهينا من معضلة آلينا إلا أن نعلن عودتها إلى البداية وهكذا، وكأننا شعب مغرم بالعُقد والأزمات وغاية طموحنا أن نظل غصة في حلق الواقع إن لم يكن الواقع غصة في حلوقنا، أتذكر ويتذكر الجميع معي أن المبادرة الخليجية جاءت في خضم الاعتراك المتأزم كحبل نجاة آمن به الجميع، سياسيين وعامة، واعتقدنا أنها الخطوة الناجعة الأولى في الدرب السليم للحفاظ على الوطن ومقدراته وعلى رأسها الدم اليمني والوفاق بين مختلف الأطراف والحفاظ على وحدة وسيادة الوطن.
* كان ذلك حلماً جميلاً ولكن هيهات أن يتحقق كل حلم جميل ما دمنا نترصد للجمال والوئام والنجاح وقد تعودنا على ذلك حتى صار من سلوكنا وجزءاً من تركيبة شخصياتنا المزدوجة المضطربة.. وحين بدأت بوادر ذلك الحلم تطل برأسها، لا أدري لماذا استكثرنا على أنفسنا ذلك النجاح في التخلص من مخنق الشر، فلم نسكت أو نقف مكتوفي الفعل والحيلة، وأصررنا على أن تصبح المبادرة مجرد شكل من أشكال التعارك وتصفية الحسابات فيما بيننا، ما أدى إلى ألا يتحقق من بنود ومحتوى المبادرة سوى عملية الدور والتسليم وجوه واسماء تستبدل بوجوه واسماء وعادت حليمة إلى عادتها القديمة فلم نتحرك قيد أنملة، وإن كنا نحاول أن نكذب على أنفسنا فقط بحملات اخبارية إعلامية لا جدوى منها .. ولا تكاد تضيف شيئاً يذكر إلا بقاء الحال كما هو.
* وحين لمسنا بأننا لم نحقق من مبادرة الأشقاء الخليجيين شيئاً يذكر عدنا للنقطة الأولى نقطة الانطلاق لنبني آمالاً أخرى على الهامش الذي كان من المفترض أن يكون نتيجة لمجريات ومحتوى المبادرة وهو الحوار .. وذلك لأنه كان بعيداً عن متناولنا وكانت نسبة تحققه ضئيلة جداً ومدى التقيد والتبدل في سياقه لم ولن يكون ظاهراً بالقدر الذي يمكن أن نواجه به .. فصار الجميع يحكي ويعيد بناء الآمال على هذا العنصر .. والآن ومع اقتراب تحقق هذا العنصر وضرورة مواجهته، ها هي كل القوى تقريباً تسبق تشاؤمها وتضع اشتراطاتها التي تكاد تكون تعجيزية في تصرف يؤكد بالضرورة ما أهدف إلى الإشارة إليه، وهو أننا جميعا كشعب وفي مقدمتنا نخبنا السياسية «هداها الله» نبدو وكأننا قد اعتدنا على الأزمات ومعايشتها وأنه أصبح لا حياة لنا بدونها .. فإلى متى سنظل مشكلة نحاول التخلص منها وكلما اقتربنا من ذلك بدأنا بعزيمة عجيبة محاولة استعادة نمط حياتنا الإشكالي المعقّد؟! وهكذا نبدو كعاشق خطَّ خطاً في الهوى ومحا..
الشارع يلاحظ:
* ملاحظة لا أدري إن كان المكان والزمان مناسبين لطرحها ولكن هناك إلحاحاً يتعاظم من يوم لآخر لطرحها ومواجهة المعنيين بها.. ذلك أنه بدأ يتردد في الشارع والحياة اليومية وصفٌ غير لائق بالحكومة الرَّاهنة وهو أنها حكومة سفريات وسياحة فحسب، وأن أبرز ما لمسه المواطن طيلة الفترة الماضية لا يتعدى ارتفاع معدل السفريات الحكومية وخاصة سفريات الوزراء الضروري منها وغير الضروري.. فبدا ويبدو وكأن تلك السفريات هي المخرج والمنفذ الوحيد لحل الأزمات المتراكمة.. وبالأخص منها المالية والاقتصادية فيما نسمع ليل نهار عن ترشيد وتقنين المصروفات والميزانيات.. فماذا عن ملايين الدولارات التي استنفدت وتستنفد في هذا الجانب حتى الآن؟ وماذا عن مردودها؟ فقد وصل الأمر حدّ ألاَّ يمر أسبوع ويتواجد فيها أعضاء الحكومة بالكامل داخل الوطن، أربعة خمسة وأكثر غائبون كل أسبوع بداعي السفر خارج الوطن.. ذلك ما يطرح ويتردَّد في الشارع اليوم فمن ترى يجيب عما يحيط ذلك الموضوع من تساؤلات شائكة وتكاد تكون محرجة للغاية؟
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.